السعوديون يصنعون المستقبل مع السوريين

في الأمس، ولسنوات طويلة، اعتادت دمشق أن تحتضن وفوداً اقتصادية “صديقة” تأتي محمّلة بالوعود، وتغادر محمّلة بالتصفيق والصور التذكارية. كانت قاعات الاجتماعات تفيض بتصريحات مبشرة ومذكرات تفاهم بالجملة، تُعلن أمام الكاميرات وتُصفّق لها الصحافة الرسمية، فيما كانت الأدراج تُغلق على تلك الأوراق بمجرد مغادرة الحاضرين، من دون أن ترى النور في أرض الواقع.
تحدث مسؤولو نظام الأسد آنذاك عن مشاريع طموحة: كهرباء، مياه، تطوير عمراني وخدمي، بدا معها وكأن سوريا تتهيأ لتصبح “سويسرا الشرق الأوسط”. غير أن الحقيقة كانت مختلفة تماماً؛ إذ لم يُنفَّذ شيء مما وُعد به، ولم تُرصد ميزانيات حقيقية لأي من تلك المشاريع. كل ما جناه المواطن السوري كان ظهور “سعادته” و”معاليه” على شاشات التلفزيون، يتحدثون عن مستقبل زاهر لم يأت.
اليوم، يبدو المشهد مختلفاً. منتدى الاستثمار السوري السعودي 2025 جاء محمّلاً ليس فقط بالوعود، بل بالأرقام والخطط والأسماء. لأول مرة منذ عقود، تُعلن مشاريع بموازنات واضحة، وتُحدَّد أماكن تنفيذها، ويُذكر الشركاء والمستثمرون، وتُطرح مهل زمنية للتنفيذ.
لقد شكّل هذا المنتدى لحظة فاصلة بين زمنين: زمن التوقيع من أجل الاستعراض، وزمن التوقيع من أجل العمل. الأرقام المعلنة والمشاريع المحددة رسمت ملامح مرحلة جديدة لسوريا، مرحلة قد تحمل أملاً حقيقياً في انتشال البلاد من قاع الفقر، لا سيما بعد سنوات من الجمود الاقتصادي وانهيار البنى التحتية.
منتدى الاستثمار السوري السعودي ليس مجرد تظاهرة اقتصادية، بل قد يكون بداية لعهد جديد، تكون فيه الشراكات مبنية على الجدوى لا على المجاملة، وعلى المصالح المتبادلة لا على الشعارات. ويبقى الرهان الحقيقي على تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، ومراقبة مدى التزام الجميع بتحويل تلك الأرقام إلى واقع ملموس ينعكس على حياة السوريين اليومية.
الوطن