العناوين الرئيسيةسورية

السفير الروسي: زيارة الرئيس بوتين رسالة واضحة بأن موسكو لن تتخلى عن دعم السوريين

وصف سفير روسيا الاتحادية في دمشق ألكسندر يفيموف، زيارة الرئيس فلاديمير بوتين إلى سورية الشهر الماضي بالتاريخية، لافتاً إلى أنها أرسلت رسالة واضحة بأن موسكو لن تتخلى عن نهجها المبدئي في دعم الشعب السوري في معركته ضد الإرهاب.

وفي مقابلة مطولة خص بها «الوطن» قدّم يفيموف التهنئة للجيش العربي السوري، الذي نجح بدعم من القوات الجوية الفضائية الروسية، والمستشارين العسكريين الروس في تحقيق الانتصار الجديد المهم، وهو استكمال تحرير ضواحي حلب وحماية هذه المدينة الكبرى، وكذلك الطريق السريع الدولي الذي يمر بها، من هجمات الإرهابيين تماماً، معتبراً أن استئناف العمليات العسكرية في إدلب، والمناطق المجاورة لها في حلب، هو حق للحكومة السورية تمارس من خلاله واجبها في مكافحة الإرهاب من دون هوادة، مؤكدة ضرورة التمسك بآلية «مسار أستانا»، وعدم السماح بتحقيق ما تريده القوى المتضررة من هذه العملية، والساعية لتأزيم الموقف أصلاً.

وشدد السفير الروسي على أن الوجود الأجنبي وعلى وجه التحديد الوجود العسكري الأميركي في منطقة شرق الفرات، والذي ينتهك السيادة السورية، ويتعارض مع قواعد ومبادئ القانون الدولي، لا يمنع فقط حصول نتائج إيجابية لأي حوار بين الحكومة المركزية في دمشق والأكراد، بل إن واشنطن تسعى من خلال سياستها إلى تشجيع التطلعات الانفصالية للبعض، وهي تحاول تحقيق أهدافها الجيوسياسية وحتى الاقتصادية بأيدي السكان المحليين، مؤكداً أن الحل الوحيد في منطقة الجزيرة السورية هو بالانسحاب الكامل لجميع القوات الأجنبية الموجودة بشكل غير شرعي هناك.

وأشار السفير الروسي إلى العلاقات الاقتصادية بين سورية وروسيا، معتبراً أنها تسير بنجاح على الرغم من الضغوط القوية، والعقوبات المفروضة على كل من سورية وروسيا، موضحاً أن الهدف ليس فقط الوصول إلى المؤشرات التجارية والاقتصادية ما قبل الحرب، ولكن أيضاً تحقيق النمو اللاحق لها وللمصالح المشتركة للروس والسوريين، وهذا هو المسار الذي تلتزم فيه روسيا مع دمشق في إطار اللجنة الروسية – السورية، الدائمة للتعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والتقني.

وفيما يلي النص الكامل للمقابلة:
هذا العام بدا مختلفاً عن الأعوام السابقة وبدا تكريساً لعمق التحالف بين روسيا وسورية، بعد زيارة الرئيس فلاديمير بوتين إلى دمشق وتقديمه التهنئة إلى جانب الرئيس بشار الأسد للقوات العسكرية الروسية بالإنجازات المشتركة الهامة التي حققتها ما الرسالة التي يمكن أن نستنتجها من هذه الزيارة؟

أنا متفق معك تماماً. كانت أول زيارة للرئيس فلاديمير بوتين إلى دمشق في كانون الثاني 2020 مهمة جداً، ودون مبالغة هي زيارة تاريخية.

لقد أكد اجتماع القائدين على الطابع الصديق الراسخ للعلاقات بين روسيا وسورية، والحرص المشترك على مواصلة التعاون الوثيق المتبادل المنفعة في مختلف المجالات، كما تم إرسال الإشارة الواضحة إلى الخصوم والحقودين بأن موسكو لن تتخلى عن نهجها المبدئي لدعم الشعب السوري في معركته ضد الإرهاب، وفي الجهود المبذولة لاستعادة السيادة الوطنية في جميع أنحاء البلاد والعودة السريعة للحياة السلمية.

إن زيارة فلاديمير بوتين إلى سورية، وجولته مع الرئيس بشار الأسد في شوارع دمشق القديمة تركت انطباعاً رائعاً، وكل مكان زاره الرئيس الروسي استقبله السوريون به كضيف كريم، وهذه عبارة عن تقدير عالٍ جداً لعملنا، والأهم من ذلك، هو تقدير طبيعة العلاقات الروسية – السورية عموماً.

الفشل التركي
بالحديث عن المعارك ضد الإرهاب الجيش العربي السوري وبمساندة القوات الجوية الروسية حقق إنجازات كبيرة وهامة في الشمال، لكن هذا الأمر رفضته تركيا أحد ضامني «أستانا» رغم أنها وقّعت على اتفاق «سوتشي» والذي ينص على طرد الإرهابيين من تلك المناطق، هل سيؤثر موقف تركيا على مسار«أستانا» برأيك؟

بداية، أود أن أهنئ الجيش السوري، الذي نجح بدعم من القوات الجوية الفضائية الروسية ومستشارينا العسكريين، في تحقيق الانتصار الجديد المهم – وهو استكمال تحرير ضواحي حلب وحماية هذه المدينة الكبرى، وكذلك الطريق السريع الدولي الذي يمر بها، من هجمات الإرهابيين تماماً.

إن الوضع الخطير للغاية في إدلب الذي استلزم في نهاية المطاف استئناف الأعمال القتالية من أجل وقف التهديد الإرهابي الناشئ من هناك، قد انبثق إلى حد كبير بسبب إخفاق الجانب التركي بالوفاء بالتزاماته بموجب مذكرة «سوتشي» الموقعة في عام 2018، وقبل كل شيء، فيما يتعلق بمكافحة التجمعات «غير الشرعية» المدرجة ضمن قوائم الإرهابيين من قبل مجلس الأمن الدولي، والتي تشكل تهديداً ليس فقط لسورية، ولكن أيضاً لبلدان أخرى في المنطقة.

إنّ الهيمنة الفعلية لـ«هيئة تحرير الشام» الإرهابية وغيرها من التنظيمات الإرهابية في منطقة خفض التصعيد بإدلب حتى وقت قريب، كلفت السوريين مئات القتلى والجرحى من الأفراد العسكريين والمدنيين، كما تعرضت القوات الروسية في حميميم للاعتداءات من قبل هذه التنظيمات الإرهابية، من هنا نعتبر أنه من خلال استئناف العمليات العسكرية في إدلب والمناطق المجاورة لها في حلب تقوم حكومة الجمهورية العربية السورية، بتنفيذ واجبها المباشر في مكافحة الإرهاب من دون هوادة – لا أكثر ولا أقل.

كما نعلم أن هناك الأطراف الأجنبية المعينة التي تحاول بكل طريقة ممكنة حماية المحسوبين عليها في ادلب، والحفاظ على هذه «القرحة» الإرهابية، إذ تأمل باستخدام الإرهابيين المتمركزين هناك، لإطالة الحرب على سورية، وممارسة المزيد من الضغط على دمشق.

لذلك، إلى جانب توفير الدعم العسكري المباشر للأصدقاء السوريين، تنشط روسيا أيضاً في المحافل الدولية، وعلى رأسها مجلس الأمن للأمم المتحدة، ونحن نتمسك بالموقف أن الإرهابيين في إدلب يجب ألا يفلتوا من العقاب، وأنّ الجيش السوري يقود المكافحة الشرعية ضد هذا الشر، لأجل تحرير أراضي سورية، وحماية مواطنيها بما في ذلك الذين وجدوا أنفسهم حرفياً كرهائن لتنظيمات مسلحة في إدلب.

مع ذلك، أود أن أحذّر من المبالغة في تأثير الأحداث في شمال غرب سورية على الأعمال في «إطار أستانا»، ففي الوقت الحاضر اتضح الأمر أن هذه الآلية هي الوحيدة التي تبقى فعالة وتتمتع بثقة السوريين، لهذا السبب بالتحديد، فإن خصومنا والحقودين المعروفين، سوف يستغلون كل فرصة للإساءة لعملية «أستانا»، ولمحاولة إيقاع الخلاف بين المشاركين فيها، والهدف من ذلك معروف، وهو المساهمة في المزيد من تأزيم الوضع حول إدلب، وعليه يجب عدم الانسياق خلفهم.

الحل بالانسحاب
منطقة أخرى أود التساؤل حولها وهي منطقة الجزيرة السورية، روسيا لازالت تلعب دور الوسيط لتسهيل الحوار بين الحكومة السورية ومجلس سورية الديمقراطي وأيضاً ما تسمى «الإدارة الذاتية»، هل تتفاءلون في الوصول إلى نتائج إيجابية في ظل المحاولات الأميركية للتحكم في القرار الكردي، الولايات المتحدة تُصر على تثبيت وجودها غير الشرعي وتعلن أنها تنوي سرقة النفط السوري، كيف تنظر موسكو للتصرفات الأميركية وآلية مواجهتها؟

الشيء الرئيسي الذي يدعونا للتفاؤل هو العودة التدريجية للسلطات السورية الشرعية إلى المنطقة الشمالية الشرقية من سورية، وهذه خطوة مؤكدة نحو السلام المنشود واستعادة وحدة المجتمع السوري، وعودة هذا المنطقة السورية إلى حياة طبيعية سلمية.

في هذا السياق، يلعب الحوار بين دمشق والأكراد حقاً دوراً مهماً، وقد تناول السيد الرئيس بشار الأسد هذا الموضوع مراراً وتكراراً وبشكل مُفصّل.

أما العقبة الرئيسة أمام هذا المسار فهي معروفة أيضاً، وتتمثل في الوجود الأجنبي وعلى وجه التحديد الوجود العسكري الأميركي في منطقة ما شرق الفرات والذي ينتهك السيادة السورية ويتعارض مع قواعد ومبادئ القانون الدولي.
كما أن واشنطن لا تمنع التفاوض بين دمشق والأكراد فقط بل وتدعم بكل ما في وسعها التطلعات الانفصالية في الجزيرة السورية.

ويبدو وكأن الولايات المتحدة تحاول تحقيق أهدافها الجيوسياسية أو حتى الاقتصادية بأيدي السكان المحليين، وأن ما يجري من تشجيع أميركي ونهب لموارد النفط والغاز هناك (والتي تعود ملكيتها للشعب السوري بأسره، والتي تحتاج سورية إليها الآن بشكل خاص) هو أحد وسائل التمويل لـ«الإدارة الذاتية»، التي نشأت في شمال الشرق تحت ستار الولايات المتحدة الأميركية.

لا يمكن أن يكون هناك إلا الحل الوحيد في الجزيرة السورية، وهو الانسحاب الكامل لجميع القوات الأجنبية الموجودة بشكل غير شرعي هناك. كما ذكرتُ، لا يوجد أي أساس قانوني للاستمرار في بقاء القوات لما يسمى بـ«التحالف الدولي» في القيادة الأميركية في هذه المنطقة، علاوة على ذلك، يدرك الجميع أنه عاجلاً أو آجلاً، سوف يفشل المشروع الأميركي هناك في أي حال، وسوف تضطر الولايات المتحدة إلى المغادرة، متخلية عن «أصدقائها» الجدد، وفي الوقت نفسه، سيتعين التعامل مع المشكلات المتبقية بعد رحيلهم، مع أولئك الذين كانوا قصيري النظر في الاعتماد على المساعدة من واشنطن.

الكيميائي
شكل الملف الكيميائي لفترة طويلة محور جدال في أروقة مجلس الأمن وموسكو رفضت الآلية الجديدة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، واعتبرتها وسيلة جديدة للتدخل الخارجي في سورية، هل تعتقدون أن الاستثمار الغربي عبر هذه الذريعة وأقصد الكيميائي قادر على النفاذ وتحقيق ما تريده منه الولايات المتحدة.

نرى أن تلك القوى المعادية التي لم تستطع هزيمة سورية في ساحة المعركة لا تتخلى عن مخططاتها وتبحث عن طرق جديدة لمهاجمة دمشق، وأحدها هو بالتحديد الملف الكيميائي، وما يرتبط به من تلاعب واستفزازات تحاول الأطراف المعروفة على أساسها، بناء حجج لها لتدخل جديد في الشؤون الداخلية السورية.

علاوة على ذلك فإن الدولة الصديقة ذات السيادة وهي سورية، ليست الوحيدة التي تضررت من هذا الأسلوب الخبيث، فقد تضرر منه كذلك هيئة دولية ذات سمعة وهي منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، التي يعتمد على فعاليتها وحيادها، الاستقرار والأمن الدوليين، ونحن نشاهد اليوم أنه من أجل محاولات الآخرين لتصفية حساباتهم مع دمشق، أصبحت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية ساحة للانتهاكات الفظيعة والاحتيال، وتحولت إلى آلية تحقيق النوايا الجيوسياسية للولايات المتحدة الأميركية وحلفائها.

وتقوم روسيا من جانبها بكل ما في وسعها لحماية هذه المنظمة من المزيد من التدهور والحيلولة دون محاولات استخدامها، وغيرها من المنظمات الدولية لأجل المعاقبة التعسفية للدول غير المواتية للبعض والتي وجدت سورية نفسها من بينها لسوء الحظ.

كما أود أيضاً أن أشير بشكل منفصل إلى الجهود الموجهة للجانب الروسي لوضع حد لمحاولات تنظيم الاستفزازات الكيميائية ضد سورية، لقد جمعنا بالفعل مجموعة كبيرة من المعلومات والبيانات الموثوقة التي تشاركها روسيا بشكل دوري مع المجتمع الدولي من أجل فضح جميع أولئك الذين يقفون وراء مثل هذه الاستفزازات، ويحاولون منع دمشق من شن الحرب المشروعة ضد الإرهاب.

المساعدات
كنتم رفضتم أيضاً عبر مجلس الأمن تسييس آليات المساعدة الإنسانية العابرة للحدود بطريقة غير شرعية، ومجلس الأمن مدد لهذه الآلية ستة أشهر، هل ستكون هذه الأشهر هي الأخيرة التي سيتم السماح بها بإدخال ما تسميه الدول الغربية «المساعدات الإنسانية»؟

كما تعلمون، اعتماد آلية إيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى سورية في عام 2014 كان بمثابة إجراء مؤقت وطارئ، ومنذ ذلك الحين، تغير الوضع على الأرض بشكل جذري، ومؤخراً يتم تنفيذ معظم الإمدادات الإنسانية حتى إلى الأجزاء الشمالية الشرقية في سورية، من خلال الطرق المتفق عليها مع دمشق داخل أراضي الجمهورية العربية السورية، كما أنه بعد تحرير طريق دمشق – حلب السريع، بالإضافة إلى إعادة الافتتاح للمطار الدولي في حلب، فمن الواضح أن تقديم المساعدات الإنسانية سوف يصبح أسرع وأكثر ضماناً.

في هذا السياق، يعد قرار مجلس الأمن الدولي بتقييد تشغيل الآلية عبر الحدود لمدة ستة أشهر، ونقطتي تفتيش مجرد خطوة أولى نحو الإلغاء التام لهذه الآلية، وعودة عملية تسليم المساعدات الإنسانية في سورية إلى القواعد الطبيعية التي تنص على احترام السيادة الوطنية للبلد المتلقي للمساعدات، كما هو مذكور في قرار الجمعية العامة الأمم المتحدة رقم (46/182)

وعلى حد علمنا، فإن دمشق الآن تتعامل بشكل مسؤول جداً مع هذا الشأن وتُظهر حرصها على التعاون البناء مع الهيئات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة، وهي على استعداد تام لمساعدتها على التكيف بسرعة مع التغييرات التي تحدث، وذلك بدعم من الجهات الحكومية ذات الصلة، ومنظمة الهلال الأحمر العربي السوري، وسنرى كيف ستتصرف الوكالات الإنسانية والجهات المانحة الأخرى، هل ستُظهر التعاون اللازم أو ستحاول مرة أخرى أن تخترع أسباباً لتوجيه الاتهامات ضد الجمهورية العربية السورية؟ وسوف يكشف اختيارها، الحقيقة، لكي نعرف من هم الذين يهمم حقاً قضية إيصال المساعدات، ومن الذين يستغلون ملف المساعدات فقط لممارسة الضغط على سورية.

وأغتنم هذه الفرصة لأن أتحدث عن المساهمة الروسية في أنشطة الأمم المتحدة في سورية، بالإضافة طبعاً إلى المساعدة المباشرة، ففي عام 2019 وحده ساهم بلدنا بأكثر من 20 مليون دولار في ميزانية برامج للأمم المتحدة الخاصة بسورية، والتي تستفيد منها كل من منظمة الصحة العالمية، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ومنظمة الأغذية والزراعة العالمية، ودائرة الأمم المتحدة للإجراءات المتعلقة بالألغام و«اليونيسيف» وصندوق الأمم المتحدة للسكان.

وفي شهر كانون الأول العام 2020، تمّ الإعلان أيضاً عن تخصيص مبلغ يصل إلى (20) مليون دولار، من قبل روسيا لتلبية احتياجات برنامج الأغذية العالمي، الأمر الذي سيسمح لهذه الهيئة الأممية بتنفيذ العديد من المبادرات في سورية، وتشمل هذه المساعدات تنظيم وجبات مدرسية، والتوزيع المباشر لزيت دوار الشمس للمحتاجين وكذلك التمويل لما يسمى آلية القسائم التي من خلالها ستتمكن الفئات المعنية من السوريين من شراء المنتجات الغذائية الضرورية في السوق المحلية، إذ تدعم بذلك الصناعات والمنتجين السوريين.

نحث جميع الشركاء الدوليين على أن يحذو حذونا، وأن يقدموا بنشاط المساعدة لجميع السوريين من دون استثناء ودون اي اعتبارات سياسية.

«الدستورية»
موسكو استقبلت المبعوث الأممي غير بيدرسون والموقف الروسي واضح بخصوص عمل اللجنة الدستورية، لكن نبدو أمام تعثر الآن لعدة أسباب أهمها عدم التفاهم على جدول الأعمال، ولا ننسى الأنباء التي تتحدث عن انعكاس الخلاف السعودي التركي على أوساط المعارضة السورية، التي تنقسم اليوم بين معسكرين. في ظل هذه المعطيات كيف تنظر موسكو لإمكانية استئناف عمل هذه اللجنة وفرص التوصل إلى تفاهمات؟

أنتِ تتحدثين عن التعثر في عمل اللجنة الدستورية اليوم، لكنني أود أن أذكر التعثر الذي شاهدناه في نهاية عام 2018، عندما كانت اللجنة لا تزال في قيد التشكيل، فحينذاك بعد تدخل شركائنا الغربيين في عملية تشكيل اللجنة، ضاعت سنة كاملة من العمل في المجادلات غير المثمرة، حيث عقد الاجتماع الأول للجنة في شهر تشرين الأول عام 2019.
في ظل هذه الخلفية، ينبغي إدراك الصعوبات الحالية في عمل اللجنة الدستورية دون «الدرامية والمبالغة»، حيث تكون الأطراف في بداية المسار، وعليها أن تعرض مواقفها الأولية والتعود على بعضها بعضاً، وهذا وضع طبيعي لأي مفاوضات، والعملية الدستورية السورية ليست استثناء.

وما يهمنا الآن قبل كل شيء هو توفير الفرصة للتفاوض بين الأطراف السورية من دون تدخل خارجي، أو ضغوط عليها، أو أي قيود مفروضة أخرى، بحيث تتمكن من إيجاد حلول تلبي في المقام الأول مصالح السوريين أنفسهم. وأقول لكم بصراحة إنني لا أود أن أقدم تنبؤات بشأن مدة العمل اللاحق للجنة الدستورية.

أما بالنسبة للتناقضات في وفد المعارضة، فهذا شأن داخلي تابع لها، ومن المهم ألا يظهر مجدداً في صفوف المعارضة، هؤلاء الذين سيحاولون تحميل الطرف الآخر المسؤولية عن مشاكلهم الداخلية، أو عن تعطيل العملية السياسية.
وبناءً على هذه المنطلقات، تبني موسكو تعاملها مع مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الخاص بسورية غير بيدرسون.

العلاقات الاقتصادية
بعيداً عن التفاصيل السياسية، كنتم وصفتم العلاقات السورية الروسية بالإستراتيجية، ما الانعكاس الاقتصادي لهذا التحالف؟، قبل نحو شهر عقدت اللجنة الاقتصادية السورية الروسية اجتماعاً لها في موسكو والأجواء كانت إيجابية ماذا عن الآفاق العملية للعلاقات الاقتصادية بين البلدين؟، هل النتائج لكل الاتفاقيات التي وقّعت بين البلدين سيكون لها أثر ملموس وواضح في القريب العاجل؟

تتطور العلاقات الاقتصادية بين بلدينا بنجاح على الرغم من الضغوط القوية، والعقوبات المفروضة على كل من سورية وروسيا، فهدفنا اليوم ليس فقط الوصول إلى المؤشرات التجارية والاقتصادية ما قبل الحرب ولكن أيضاً تحقيق النمو اللاحق لها –كماً ونوعاً– وذلك وفقاً للمصالح المشتركة للروس والسوريين. وهذا هو المسار الذي نلتزم به مع دمشق في إطار اللجنة الروسية– السورية الدائمة للتعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والتقني، فخلال اجتماعها الدوري المنعقد في كانون الأول عام 2019 في موسكو، تم النظر في مجموعة واسعة من المشاريع المشتركة – بما فيها الواعدة والتي دخلت قيد التنفيذ – في مجال الطاقة والصناعة والبناء والتعدين وتطوير البنية التحتية والأمن الغذائي.

في الوقت نفسه، يعتقد الجانب الروسي أن علاقاتنا الثنائية مع سورية لا تغطي الأنشطة التجارية فحسب، بل تشكل أيضاً مساهمة مهمة في معالجة المشاكل الإنسانية الملحّة لسورية، وترميم اقتصادها الوطني بعد الحرب.

لقد ذكرتُ أعلاه عن مساعدتنا عبر الأمم المتحدة، إضافة إلى ذلك نحاول مساعدة الشعب السوري الصديق في الإطار الثنائي، فعلى سبيل المثال في كانون الثاني عام 2020 بدأت توريدات القمح مباشرة إلى سورية بصفتها منحة روسية، حيث بلغ حجمها الإجمالي 100 ألف طن مقسمة على أربع شحنات.

ونعلق أهمية خاصة على تنفيذ المشاريع الاستثمارية الروسية الكبرى في سورية، والمثال الأكثر شهرة هو إعادة بناء وتطوير ميناء طرطوس المدني من قِبل الشركة الروسية، حيث سنقوم باستثمارات كبيرة فيه والتي ستغطي على وجه الخصوص عملية التطوير الفني للميناء وتوسيع محطاته، ما سيتيح زيادة حجم نشاط الميناء من نحو 4 ملايين طن إلى 38 مليون طن سنوياً، وهناك أيضاً مشاريع أخرى مماثلة، بما في ذلك تحديث مصنع أسمدة الفوسفات في حمص، وترميم عدد من حقول النفط والغاز ومحطات تكريرها وغيرها من المشاريع.

وكل ذلك سيشكل دافعاً قوياً لتنمية ونمو الاقتصاد الوطني السوري برمته وضمان استقراره في مواجهة العقوبات الأجنبية، بالإضافة إلى المساهمة في معالجة القضايا الاجتماعية والاقتصادية الملحّة، ونعتقد أنه في الوقت الحالي، وسورية على وشك الانتصار في الحرب على الإرهاب، من المهم دعم مواطنيها، وخلق الثقة فيهم بيوم الغد وبالعودة القريبة للحياة السلمية الطبيعية.

التعاون الثقافي
تعاون آخر أود الإضاءة عليه هو التعاون الثقافي، سورية تتجه لتكريس تعليم اللغة الروسية كلغة ثانية وكنتم أشرتم إلى أن افتتاح المركز الثقافي الروسي قريب، ما الخطوات التي تخططون لها لتكريس التعاون الثقافي بين البلدين؟

نتطلع الآن إلى استكمال الإجراءات التحضيرية، واستئناف عمل المركز الثقافي الروسي في دمشق، حيث تمّ اتخاذ جميع القرارات اللازمة بهذا الشأن في موسكو ويجري تنفيذها حالياً، وسيصل مدير المركز إلى دمشق في شهر آذار 2020، وبشكل عام بقيت أمامنا الجوانب التقنية البحتة. وأنا متأكد أنه بحلول موعد افتتاح المركز، ستتوفر لدينا الرؤية في خطط عمله والفعاليات الثقافية والتعليمية القادمة، وفي غضون ذلك يمكن متابعة صفحات السفارة على الشبكات الاجتماعية في الإنترنت التي ننشر فيها جميع الإعلانات ذات العلاقة.

وأشير بارتياح إلى الاهتمام الكبير والمتنامي باللغة الروسية في سورية، وخاصة بعد أن تمّ إدخالها في عام 2014 في برنامج المدارس السورية الأساسية كمادة اختيارية، وقد بدأ كل ذلك من تعليم اللغة الروسية لـ2500 طالب في 59 مدرسة، حيث في العام الدراسي 2018-2019 بلغ عدد الطلاب الذين يدرسون اللغة الروسية أكثر من 18 ألف طفل في 306 مدارس.

أما بالنسبة للشباب الذين لا يريدون تعلم اللغة الروسية فقط، بل التخصص فيها، فسوف تتاح لهم فرصة جيدة للدراسة في الجامعات الروسية، ولهذا الغرض تقدم الحكومة الروسية سنوياً 500 منحة دراسية للسوريين الذين يرغبون بالالتحاق بإحدى الجامعات أو المعاهد الروسية، وبالمناسبة تجري الآن عملية اختيار المجموعة الجديدة من المواطنين السوريين في إطار هذا البرنامج، وأود أن أشدد على أن معرفة اللغة الروسية ليست مطلوبة للمرشحين، إذ يمكن إتقان اللغة الروسية بالفعل في روسيا خلال الدراسة.

الوطن – سيلفا رزوق

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock