اقتصادالعناوين الرئيسية

“الليرة الجديدة”: خطوة نحو تبسيط التسعير وتقليل الضجيج الرقمي في الاقتصاد

ليست كلّ عملية حذفٍ للأصفار قراراً شكلياً، ولا كلّ رقم أصغر يعني اقتصاداً أقوى. فبين ورقة نقدية أقل أصفاراً، وواقعٍ معيشي مثقل بالتضخم، تقف الليرة السورية اليوم لتبدأ إصلاح نقدي يمهّد لاقتصاد إنتاج، يعيد ترتيب للأرقام وتعالج الأزمة.

الخبير الاقتصادي سامر العش أكد أن حذف الأصفار من العملة ليس مجرد (تجميل) للأرقام، بل هو ضرورة عندما تصل الكتلة النقدية المتداولة إلى أحجام تعجز الأنظمة المحاسبية عن التعامل معها بسهولة وكفاءة.

ويرى العش إن حذف صفرين من الليرة السورية سيؤدي عملياً إلى خفض ما يمكن تسميته «الضجيج الرقمي» في موازنات الشركات والبنوك، ويبسط عمليات التسعير والمحاسبة والتقارير المالية.

وأضاف: كما أن استمرار طباعة ونقل وتخزين فئات نقدية ذات قيمة شرائية شبه معدومة يشكل عبئاً حقيقياً على البنك المركزي، ما يجعل من حذف الأصفار إجراء تنظيمياً بامتياز قبل أن يكون إجراء اقتصادياً.

وهم نقدي

قال العش: قد يشعر المواطن لفترة قصيرة بأن الأسعار انخفضت لأن الأرقام أصبحت أصغر؛ فسلعة كانت تسعر بـ 10 الاف ليرة ستُسعّر بـ  100 ليرة جديدة. هذا الإحساس قد يحفز الاستهلاك مؤقتا، لكنه تأثير نفسي محدود العمر ولا يعكس تحسناً حقيقياً في القدرة الشرائية.

جشع الكسور

يرى العش أن جشع الكسور هو الخطر الأكبر فعند تحويل الأسعار إلى الصيغة الجديدة، يميل بعض التجار إلى (جبر الكسور) لمصلحتهم، ما يؤدي إلى تضخم مستتر وتآكل تدريجي للدخل الحقيقي، إذا لم تفرض رقابة واضحة وصارمة.

وذكر العش التجربة التركية، حيث جرى حذف ستة أصفار ونجحت التجربة لأن التضخم كان أصلاً في مسار نزولي واضح، ضمن برنامج إصلاحي شامل. مضيفا: في فنزويلا، حذفت الأصفار مراراً، لكن التجربة فشلت لأن طباعة النقود لم تتوقف، وبقي العجز يمول نقدياً.

وقال: إذا كان معدل نمو الكتلة النقدية أكبر من معدل نمو الناتج المحلي الحقيقي، فإن حذف الأصفار لن يكون سوى تأجيل مؤقت للأزمة، وليس حلا لها. معتبراً: أن نجاح حذف الأصفار مشروط بتحقيق استقلالية فعلية للبنك المركزي. أي أن يتوقف عن كونه ممولاً دائماً للحكومة، ويتحول إلى جهة رقابية تضبط السيولة وتحمي الاستقرار النقدي. مضيفاً إذا استمرت الحكومة بالاقتراض من المصرف المركزي لتغطية الرواتب والإنفاق الجاري، فإن الصفرين المحذوفين سيعودان خلال أقل من عامين على شكل تضخم جامح.

وختم بالقول: إن خطوة حذف الصفرين في عام 2026 تمثل حركة جريئة في حقل ألغام. ونجاحها لا يعتمد على جودة تصميم وطباعة العملة الجديدة، بل على قدرة الحكومة السورية على الانتقال من اقتصاد أزمة إلى اقتصاد إنتاج. فمن دون إنتاج حقيقي وتصدير فعال، ستبقى الأصفار المحذوفة مجرد «استراحة محارب» تسبق موجة غلاء جديدة.

محمد راكان مصطفى

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock