اقتصادالعناوين الرئيسية

«المركزي» يقود حملة إصلاح للسياسة النقدية.. خريطة طريق لضبط التضخم وإدارة السيولة

في بلدٍ أنهكته اضطرابات النقد وتآكلت فيه الثقة بالسياسة المالية، تظهر ورشات استراتيجية مصرف سوريا المركزي 2026–2030 محاولة ـوان كانت متأخرة- الإجابة عن سؤال كبير: هل يملك المركزي اليوم الأدوات والشجاعة الكافية لإعادة بناء منظومة نقدية فقدت توازنها؟ فما يُطرح على الطاولة لا يتعلق بخطط تقنية باردة، بل بإعادة تعريف دور مؤسسة تمثل حجر الأساس في حماية الليرة وتوجيه الاقتصاد، بعد سنوات طويلة من التخبط، وضعف الشفافية، وغياب الرؤية. ولعل الركائز الخمس التي يقترحها المركزي—من ضبط التضخم إلى تحسين إدارة السيولة—لن يكون لها معنى إن لم تتحول إلى التزام فعلي يقطع مع ممارسات الماضي ويفتح الطريق أمام إصلاح نقدي حقيقي.
الخبير المالي والمصرفي الدكتور عبد الله قزّاز اعتبر في حديثه ل«الوطن» أن ورشات العمل الخاصة بمناقشة المرتكزات الرئيسة لاستراتيجية المركزي للفترة 2026–2030 مهمة لأنها تُعدّ محطة أساسية لمناقشة خريطة طريق تقود جهود المصرف خلال السنوات المقبلة، وتوضح مسؤولياته ودوره في دعم الاقتصاد الوطني واستقراره.
ولفت قزّاز إلى ان الاستراتيجية تعتمد على تقييم موضوعي للتحديات والفرص، وترتكز على خمس ركائز أساسية تشمل السياسة النقدية، والاستقرار السعري، وتحسين إدارة السيولة، وتعزيز قدرات التنبؤ والتحليل ورفع جودة البيانات، وضبط التضخم والسيطرة على تقلبات الأسعار، إضافة إلى نظام مدفوعات رقمي آمن، وقطاع مصرفي سليم، وسوق صرف متوازن وشفاف، والتكامل المالي الدولي والشمول المالي المستدام. منوهاً إلى أن هذا الأمر يعزز قدرة الاقتصاد على مواجهة التحديات وتحقيق بيئة مالية مستقرة ومتوازنة.
ورأى الخبير المصرفي أن من ضمن العقبات التي تواجه تحقيق هذه الاستراتيجية، ضعف القدرة الشرائية لليرة السوريّة، وأزمة السيولة وضعف البنية التكنولوجية المالية وغياب الثقة بالمصارف السورية (التي من المؤمل عودتها مع رفع العقوبات الأمريكية بشكل كامل)، إضافة إلى القوانين والتشريعات الصادرة عن النظام البائد التي تكبّل العمل المصرفي.
وأضاف: كما أنّ استبدال العملة على مدى خمس سنوات قد يؤدي إلى إرباك السوق، حيث تحتاج البنوك والمؤسسات المالية إلى تحديث أنظمتها وإدراج قوائمها المالية بالعملة القديمة والجديدة، ما قد يسبب تأخيراً بالمعاملات ويؤثر في النشاط التجاري والاقتصادي بشكل عام، وفي حال غياب الاستقرار النقدي قد ينجذب السوريون أكثر إلى العملات الأجنبية، خاصة الدولار، ما يضعف الليرة ويقوّض الهدف من استبدالها.
ورأى قزّاز أن من النقاط أو القضايا التي لم تتطرق إليها ورشات العمل بشكل كافٍ ولم يتم ذكرها صراحة في تقرير مصرف سوريا المركزي هو ما يتعلق بالتفاصيل الدقيقة التنفيذية لاستراتيجية الإصلاح، وسبل التعامل مع العقوبات الاقتصادية بطريقة عملية، إضافة إلى تطوير إطار قانوني متكامل وملموس يعزز استقلالية المصرف المركزي بشكل أعمق، وتعزيز الشفافية والإفصاح (خصوصاً مع ندرة البيانات الخاصة بالاقتصاد السوري والمتعلقة بعمل مصرف سوريا المركزي كاحتياطياته وحجم العرض النقدي وودائع المصارف العامة والخاصة والقروض الممنوحة والمتعثرة)، وكذلك الخطط التكنولوجية التفصيلية لتحديث البنية التحتية المصرفية وإدارة المخاطر وسبل دعم عملية إعادة الإعمار.
وبدأت اليوم أعمال ورشات العمل المخصصة لمناقشة المرتكزات الرئيسة لاستراتيجية مصرف سوريا المركزي للفترة 2026 – 2030، وتقييم مراحل الإعداد، وبحث أولويات التطوير ضمن الدور المنوط بالمصرف في دعم الاستقرار المالي والاقتصادي لسوريا.
وأكد حاكم مصرف سوريا المركزي الدكتور عبد القادر الحصرية خلال الافتتاح أهمية الورشة كمحطة أساسية لمناقشة خريطة طريق تقود جهود المركزي خلال السنوات المقبلة، وتوضح مسؤولياته ودوره في دعم الاقتصاد الوطني واستقراره.
وأوضح الحصرية أن الاستراتيجية تستند إلى تقييم موضوعي للتحديات والفرص، وتنطلق من رؤية واضحة لدور المصرف المركزي، معتمدة على خمس ركائز أساسية تشكل العمود الفقري للعمل في المرحلة المقبلة، وتشمل: السياسة النقدية، والاستقرار السعري، وتحسين إدارة السيولة، وتعزيز قدرات التنبؤ والتحليل ورفع جودة البيانات، وضبط التضخم والسيطرة على تقلبات الأسعار.
ولا بد من التأكيد أخيراً أن نجاح الاستراتيجية يبقى رهن الإرادة التنفيذية والشفافية، بعيداً عن تكرار أخطاء الماضي.

محمد راكان مصطفى

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock