منوعات

المنتهى والمشتهى…

ليس حباً عادياً حب شام، لكنه حب هادئ، حب مختمر، حب متجذر في كل فاصلة من الفواصل، حب يمتد إلى كل ذرة من ترابها، يصل كل مسام من مساماتها الممتدة من قمة قاسيون إلى عتبات حنانيا، ينزرع تحت مئذنة العروس، وبالقرب من السيدة رقية، إنه غريب هذا الحب الشآمي الذي يسمو على الوله. يسبب لك الغبطة والسعادة، ويدفعك الضجر لبعدها أن تنعتق من ذاتك لتنزرع في كل مكان من الجسد المقدس الذي احتوى كل آلهة الجمال…
للحب إله هي الشام، للجمال، للعطاء، لكل ما فيه روعة، وحده الشّرك لا يقترب منها، قد تقسو لكن لتحبها أكثر، قد تجفو لتتصبب عرقاً بانتظار وأن تنطمر جبهتك في حبيبات العرق المتفصد الذي ينّز من غرتها في قمة قاسيون…
وحدها الشام عاشت عمراً، ولا تزال ناعمة حالمة كأنها اليوم خلفت..!
دارت التاريخ، وبقيت طهراً لا يدانى!
مرّ بها من مرّ، وقداستها تنبيك بأنه ما مرّ أحد من هنا!
شهدت الزمن، فما تبدلت أزقتها الأمامية، وأزقتها الخلفية!
أنهار عطرها تنسرب إليك من أحجار أمويها، من صليب الزيتون
عطرها يغمرك وهي سماء تمطر مطرها، وتجود بثلجها
عطرها يسكرك وهي تناجيك بعشق تجاوز الدهور والأمكنة..
شام وحدها رمادها كحل… دمارها زخرف… عمرها تعتيق… دمها ماء الحياة…
لك يا شام ما وعى القلب وما لم يعِ
لك الأمنيات والبقاء… لك الأضحيات ودم العاشق
لك وردة الأمنيات، لك ومنك هي
ألم تمنحي للروح وردتك؟ ألم تزودي العاشق بآيات عشقه؟
كل لحظة فيك، كل مسافة، كل مسام طهر وقداسة
يتعمد فيك العاشق ليكون أطهر…
يصلي على سجادتك ليقرب من الإله أو ليكون…
مع الفجر تنداح أنفاسك أنسامك صباحاتك
تمتزج بطهر تفجر ماء بردى… تعانق الروح ليغيب من سكر إلى سكر
شام أنت وطن… وأي وطن؟!
وطن لجبهة توضأت بمائك وثلجك
وطن لعمّاد أنت وحدك سرّه المقدس، وبعدك تتماهى الأسرار
شام… فيك لا يهم ما يكون ومن يكون… أنت تمنحين السرّ والأسرار
فيك يحمل العاشق سرّ الأسرار ليقف على مذبح أنت مانحه
يصعد بأنفاسك منبر الإيمان… يملك الفصاحة
يلقي آياتك، يغني أنفاسك
ومن طهر إلى طهر ينتقل ابنك
عجز عهر الكون عن تلويثك… عن تغيير لحظة من إيمانك
اجتمع الكفر والعهر… امتزجا… وحين ظنا… انسربا
صلدة هي أرضك، لم تسمح لقطرة أن تتغلغل
ذهب كل كره
يذهب كل حق
أنت وحدك تصنعين كل شيء
وما أبدع أن تصنعي جوهرك
في أيلول مدّي الأوراق بالنسغ
ابدئي رحلة جديدة أنت مبتداها
ولحظة منك منتهاها
وحدك البداية الهبة… وحدك النهاية المشتهاة
بمائك يتطهر العصاة
بثلجك يتقدس العاشق

إسماعيل مروة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock