العناوين الرئيسيةمنوعات

الميـزان.. (رؤية في ضوابط الشّعر العامّي)

وردَ هذا البحث في نهاية كتاب (الميزان) لشاعر الزجل شفيق ديب ويقول فيه:

 

كثيراً ما تصلنا رسائلٌ -على صفحات التّواصل- تشبه في تصفيفها تصفيف القصائد، وتنتهي بقافية موحّدة تجرّ ما تجرّ، ودائماً ما نجتمع بعابري سبيل لطفاء أيضاً، يلقون قصائدهم الّتي لا نكاد نلتقط منها سِوى القافية الموحّدة الأخيرة، وغالباً ما يكون إطراء الأصدقاء على ما نقول على شكل جملة تعقيبيّة سريعة تتطابق وتبجّل تلك القافية الأخيرة التي أصبحنا نشعر أنّها تتهكّم بما نقول.

لا بأس، لا يتعدّى كلّ هذا كَونه أمْراً يوميّاً نابعاً من أيّ إنسان طيّب لا يستجدي نَظْم الشعر، ولا يستجلب لقب الناظم بل كمثل نديمٍ يردّد أغنية حفظها بطريقة تفاعليّة مليئة بالفرح لا يستطيع أيّ قائد أوركسترا مساءلته بحقوقها، ولكن لمَ القافية الأخيرة؟ أرجوكم.

نعم القافية، هي مطراق السمع الأوّل، الأسماع قبل القلوب وقبل العقول، وكم من أمّة تهاوت بسبب أسماعها وسمعها، وإن أردنا التدقيق سنلاحظ أنّ أكثر ما رسخ في أذهاننا من القصائد المدرسيّة هو القوافي، وأكثر ما تحتويه الأغاني الشهيرة هو القوافي، وأكثر ما يرنّ في كلّ قصيدة مشهورة نسمعها هو القوافي، وأكثر ما حفظناه من بعض مشاهد المسلسلات هو القوافي المبعثرة، أمّا الوزْن فلا أحد يعيره اهتماماً.

لا أريد إبخاس القافية حقَّها، نعم هي ركنٌ من أركان النَّظْم، بل هي الجاذب الأوّل للمنظوم وللمنظومة الشعريّة كلها، ولكن هناك ما أريد إيصاله.

-يخضع الشّعر المقفّى بأنواعه للوزن،  للعروض، للقواعد النظميّة المتدَرِّجة من البسيطة إلى المعقّدة، وكلّ الأمثلة السابقة الذكر لا تتعدّى صفة الظواهر العامّة الّتي لا تضرّ الشّعر بشيء، ولا تحتاج لرقيب ولا تُحاط بحسيب، أمّا من يحتاج الرّقيب المعنوي والحسيب التأريخي على الأقلّ، فهو كل منْ ينظم قولاً، قد يدخل بسجلّ المكان وذاكرته الشعبيّة، ولا أدّعي أنّني ذلك القاضِي الآتي لمحاسبة ناظِميْ الشعر العامّي، أنا لا أريد محاسبة أحد، ولكن أودّ مشاركة بعض قناعاتي الوزنيّة المكتسبة مع شرائح المهتمّين، عسى أن تكون هذه الخطوة خطوةً صادقة تختلف عمّا سبق، بِقصْد الإضاءة على جوانب مُهْمَلة من أوزان الشعر العامّي، والتّمهيد لخطوة تقعيديّة موسّعة، وإيضاح الأساسات الوزنيّة وتوثيقها، وتشخيص أبرز أشكال الالتباسات الوزنيّة والنّظمية الطارئة المزمنة الّتي لا تحدّدها القواعد المتوافرة في كل مكان ولكل قاصد.

 

-بدايةً، ماذا يلوح في مخيّلة أيّ شخص عندما يسمع كلمة (زجل)؟

سنلاحظ أن أحدهم لم يسمع بالزّجل قطّ، وغيره سيبدأ بالخلط بين الزجل وألفاظ شبيهة (الجزل، السجع) وما شابه، وآخرون يعتقدون أنّه مواويل وفئات تعتقد أنّه غناء هزلي يقتصر على لون (القرّادي) وإن اقترب أبعدهم من الإجابة يقول: إنّ والده أو جدّه كان يسمع الزّجل على المحطّات الأرضية في السبعينيات والثمانينيات، ويقوم بذكر اسمين على الأكثر من شعراء الزّجل المشهورين، ويظهر الاستغراب الألمع من الجميع حين يسمعون أنّ لهذه الأنواع من الشعر العامّيّ قواعد وزنيّة.

على العموم، لمْ يعد الزَّجل حبيس هذه القوقعة، بل أخذ أشكالاً أخرى من الانتشار ومن التّبلور ومن التطوّر، واستطاع هذا الفنّ وصول درجة عليا من الجدارة والنجاح كحالة حيّة تقتسم الشعر والمسرح في حين من الأحيان، وتطوّرت تقنيات الكتابة العامّية إلى ما هو أبعد من ذلك، ولا تقتصر أنواع الشعر العامّي على اللون المتعارف من الزّجل، بل هناك القصيدة العامّيّة الكلاسيكية وقصيدة التفعيلة العامّية بأشكالهما المكتوبة والملقاة والمغنّاة على عدّة أوزان لصيقة ومشتقّة من بحور الشعر الفصيح، مثل الرجز والوافر والبسيط والمتدارك والمجزوءات وغيرها.

وتختلف المصطلحات ضمن العالم الزجلي نفسه، فقصيدة (الزّجل) ليست كما قصيدة (الشعر الزّجليّ)، وهذا ما تكلّمت عنه في عدّة نوافذ، ومنها كتابي السابق (الحفيد)، وعلى سبيل الإيضاح، تتّسم (قصيدة الزّجل) بالسرد البسيط والوزن الرنّان، بينما تتّصف (قصيدة الشعر الزجلي) بالقيمة النقديّة وهذا ما أطلقت عليه اسم (الشعر العامي الموزون).

ومن هذا الباب نستطيع الانطلاق لإيجاد القواسم المشتركة والسّمات المتطابقة بين ضبط الشّعر الفصيح وضبط الشّعر العامّي، ومن أهم نقاط المقارنة هي نقطة (اختلاف التشكيل).

وإن كان أكثر ما يكرّم الكلمة الفصحى هو ثبات الحركات على الحروف، فإنّ أكثر ما يلوّن الكلمة العامّيّة هو تبدّل مواضع السكون ضمن ما يرتئيه لافظها، وتستحسنه لهجته ويستسيغه لسانه، وهذه النقطة هي نقمة في مواضع ونعمة في مواضع خالَفَتها، فمن المؤكّد أنّ ثبات الحركات في اللغة العربية الفصحى، يجعل قراءة النّاس للقصيدة متاحة ومطابقة على الأغلب لقراءة شاعرها لها، بينما تبدُّل السكونات والحركات في اللهجات العامّية يعقّد شروط قراءتها ويبعدها عن رؤية شاعرها ولكن – بلا ريب- يمنح الشاعر هامشاً واسعاً من الخيارات عند اختياره لكلمة من الكلمات، وهنا تتّضح أهداف المقارنة بين الشعر الفصيح والشعر العامّي، فالشّعر الفصيح هو شعر الكمال والشّعر العامّي هو شعر الجمال، وإذا استطاع الشّاعر الموازنة بين الكامل والجميل وتحديد النِّسَب الّتي يريدها في خدمة أدوات النظم فبلا شكّ نستطيع أن نطلق على القصيدة لقب قصيدة، وكل ما يتخلّف عن ذلك، هو نظم بلا عواطف، أو عواطف بلا نظم.

 

 

 

-اللغة الافتراضيّة: تُبْنى كلّ جملة شعريّة موزونة على لغة افتراضيّة لا تشبه لغتَنا المحكيّة اليوميّة، وذلك نتيجة القيد الوزني، ويظهر هذا الأمر في الشّعر العامّي أكثر من الشّعر الفصيح، لعدّة أسباب بنيويّة، ويستغرب بعض القرّاء الطّارئين على القصيدة العامّية استخدام الشّاعر لتعابير كان من الممكن الاستغناء عنها ببساطة والأخذ بما هو أوضح، ومن هنا، قد يكون نجاح الكلام النّثريّ البسيط وانتشاره -عامّياً كان أم فصيحاً- نتيجةً لتخلّصه من اللغة الافتراضيّة الّتي يفرضها الشّعر، الشّعر فنّ مقيّد البنية، وإنْ لم تتأهّب كقارئ لتحليل مكان المفردة، فقد تكون قراءة أنواع أخرى من النّصوص ملائمة لك أكثر، ومن هذا القبيل يستحيل أن تنتظر بساطة الكلام اليومي من القصيدة الموزونة، وغير جائز أن تقارن النثر بالشّعر إلّا بالفكرة المطروحة، وليس بطريقة صياغتها.

 

مثلاً:

نقول باللهجة العامّية اليوميّة: (بعد نصّ ساعة بكون عندك، حضّرلي الغراض إذا بتريد).

هذه الجملة قابلة للاستخدام في نص نثري، ولكنها غير قابلة للاستخدام في وزن زجلي، إلّا من خلال إعادة الصياغة، مثلاً:

(هالنّصّ ساعة بْكون عندك، قوم = حضّرْ غراضي من بعد أمرك) وهذا ما أقصده باللغة الافتراضيّة.

 

-تعريف الوزن :

الوزن هو القالب الخفيّ الّذي يضبط النّظم الشعريّ ويؤطّره من خلال تفعيلات افتراضيّة متعدّدة تشكّل مجتمعةً البحر الشعريّ وأيّ خروج عن هذا المقياس يسبّب الخلل بما لا لبس فيه ولا هوادة ولا مبرّر، وهناك بعض الأوزان الإيقاعية الظاهريّة الّتي يستطيع أيّ متابع كان تشرُّب روحيّتها وفهم جملتها وهناك بعض الأوزان الأخرى الّتي تحتاج إلى الاستماع المتكرّر كي يتفهّمها ذاك المستمع، ويتمكّن من موسيقاها.

 

 

 

 

 

 

-الوزن في الشعر العامّي :

هناك من يتعامل مع وزن الشّعر العامّي على أنّه حزامٌ مطّاطيّ يضغط كل ما يحتويه من كلمات ويقوّمه تلقائيّاً، وعلى هذا الأساس ترى النّظْم القديم للزجّالين المؤسسين (1900 _ 1950) يحتوي على الكثير من التذييل ومن الكلمات الفضفاضة، الّتي تحتاج للضّغط اللفظي كي يستقيم القياس العروضي، وحسب رأيي، إنّ الفحول من هؤلاء الزجالين كانوا يدركون ما يفعلون في تلك الحقبة.

وهناك من يتعامل مع الوزن على أنّه حوض أسماك، قد تطفِّفُ المياه في داخله قليلاً أو تُنقِصه قليلاً ضمن المسموح، لا يهمّ إنّما ما يهمّ هو أن تبقى الحياة في داخله، وهناك من يتعامل مع الوزن على أنّه عمليّة بناء هندسيّة لا تحتمل الخطأ، وأي نقص أو زيادة في القياسات ستسبب الانهيار والخلل، وأنا أرجّح الاحتمال الأخير مع الأخذ بعين الاعتبار كل الأشكال.

-يخضع الشعر العامّي للأوزان عينها التي يخضع لها الشعر الفصيح، ولكن بأشكال أبسط وبقواعد أكثر تحديداً وأكثر التباساً في الآن نفسه، وأيضاً يُمنع الخروج عن هذا القالب منعاَ باتّاً.

-ثبات أشكال حاليّة للأوزان

-تتّخذ بعض الأوزان عدّة أشكال في علم العروض، شكلٌ أساسيّ قاعديّ قليل الاستعمال تتفرّع عنه الأشكال المستعملة الّتي طرأت عليها بعض التغييرات المسموحة نتيجة دخول الزحافات والعلل، وشكلٌ واحدٌ مستعمل من هذه التفرّعات نال مكانة القاعدة الأساسيّة، وثبُت نتيجة الاستعمال المتراكم والمتكرر.

-فعلى الرغم من اعتبار الشكل الأساسي للبحر الوافر (مُفاعلَتن مفاعلَتن مفاعلَتن)

إلّا أنّ الشكل الّذي ثبت في الشعر العامّي ببلاد الشّام هو:

(مفاعيلن مفاعيلن فعولن)

-وكذلك البحر السريع وقياسه الأساسي (مستفعلن مستفعلن فاعلن)

أصبح شكله المستعمل في الشعر العامّي:

مستفعلن مستفعلن فعلن.

وكذلك الأمر بالنسبة للبسيط وللمتدارك والمتقارب وغيرها.

 

 

ملاحظة: كي نستطيع الإكمال في هذا البحث بطريقة مفيدة ومبسّطة سنبدأ من حيث انتهت القواعد الفصيحة الأساسيّة، وسنستبعد مسمّيات أماكن التفعيلات (الحشو، العروض، الضرب) ونعتمد مسميات أبسط منها وهي (التفعيلة الأولى، التفعيلة الثانية، التفعيلة الأخيرة من الشطر الأول الصدر، التفعيلة الأخيرة من الشطر الثاني العجز) وما شابه، وسنستبعد مسمّيات (الزُحَاف والعلّة) وسنستعمل مسمّى (الجواز) عموماً، والزحافات والعلل لها عدّة أسماء ومواضع وأشكال وهي تصرّفات مسموحة  طرأت على الوزن الأساسي لإعطائه شكله الأخير بما يتناسب مع راحة الشاعر ومع الموروث، ومنه ما يستلزم التطابق في كل القصيدة، ومنه ما يطرأ لمرّة واحدة، ومن هذه الجوازات ما هو صحيح مستقبح وما هو صحيح مقبول، ولكن حتّى المُستقبح هو تصرّف صائب خصوصاً في الشعر العامّي.

 

_ عيارات الوزن

 

عندما تريد كناقد للشعر العامّي أو كمستمع أن تتبحّر بتوصيف التصرّفات الوزنيّة لمدارس الشعر الزجلي فحكماً عليك أن تُدرك (عيارات) الوزن المختلفة بين مدرسة ومدرسة، فعيارات الزجل اللبناني تختلف عن عيارات الزجل الفلسطيني، وعيارات الزجل في ريف دمشق يختلف عن عيارات النظم في الساحل السوري.

 

وكثيراً ما يسألني الأصدقاء: ما رأيك بهذا البيت المكسور؟ فأقول لهم هذا البيت المكسور هو صحيح في عيارات منطقته في ريف دمشق ربّما، ولكنه خاطئ عندما تريد محاكمته في عيارات الزجل اللبناني وإلى أخره.

 

وأغلب ما سيتمّ ذكره في هذا البحث، يخضع لعيارات الزجل اللبناني وموروثه، وأؤكّد احترامي لهذه المدرسة لأنّها الأقرب للعلميّة والأكثر ثباتاً ووضوحاً بالنسبة للمختصّين.

 

 

 

 

 

 

 

 

-الأوزان الأساسيّة المستخدمة في الشّعر العامّي:

يختلف مسمّى (الألوان) عن مسمّى (الأوزان)، فمسمّيات (المعنّى والشروقي والعتابا والحِدا) وغيره هي أسماء ألوان غنائيّة تندرج تحت هذه الأوزان وليست أسماء لهذه الأوزان، ومن هذا المنطلق سأضع اسم البحر الأساسي واسم اللون المستخدم ضمن قوسين.

ومن بعض هذه الألوان الزّجليّة* في بعض مناطق بلاد الشّام (المعنّى، القصيد، السريع، الشروقي، القرادي).

 

*يختلف (المعنّى) الحلبي عن (المعنّى) الزّجلي، و(القصيد) النبطي لا يُقصد به (القصيد) الزّجلي، وللإشارة، يختصّ هذا البحث في الأوزان الزجليّة فقط.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

1_ الرّجز (المعنّى):

طالما شكّل لون المعنّى المنظوم على بحر الرّجز الفقرة الأساسية في عمود الحفل الزجلي، فجولة المعنّى هي جولة إبراز الحجّة والبديهة والردّ الفوري وتعدّدت أطوال (ردّة المعنّى) واختلفت باختلاف الحقبة، كان الجيل الزجلي المؤسس ينظم ردّة المعنّى ببيتين فقط، أما الآن فلا حدود لها، قد تكون أربعة أبيات، وقد تكون عشرة أبيات على قافية واحدة مع إطلاق قافية  الشطر ما قبل الأخير.

أمّا القصيدة المنظومة على بحر الرّجز، ولا أسمّيها (معنّى) على الإطلاق، فتعتمد على قافيتين، قافية للصدر وقافية للعجز، ويمكن تصريع  البيت الأوّل أسوةً بمطالع قصائد الفصحى، ويمكن إضافة (خرجة) قبل نهاية القصيدة وهو شطر إضافي يجعل البيت الأخير ثلاثي الأشطر لإتمام المعنى وللإيعاز بالانتهاء.

 

-الوزن المستعمل في رجز الشعر العامّي:

 

مُسْتَفْعِلن مُسْتَفْعلن مستفعلن

 

قد يطرأ جواز على التفعيلة الأولى عند الضّرورة فيصبح البحر:

(مُتْعلن) مستفعلن مستفعلن

أو -بجواز آخر-:

(متَفْعلن) مستفعلن مستفعلن.

 

وقد يخضع للتذييل في التفعيلة الأخيرة فيصبح:

مستفعلن مستفعلن (مستفعلان).

 

 

 

 

 

_ وسنقوم بوزن عدّة أبيات وأشطر عشوائية:

 

 

_       بالمنتصف ما بحبّ وقّف عالحدود = والمشكلة خير الحدود المنتصف

مستفعلن /   مستفعلن/ مستفعلان =   مستفعلن     / مستفعلن    /مستفعلن

بلْمُنْ تَصف / مَبْحبْ بُوَق  / قفْعلْ حدود =ولْمشْ كلي   /خيْرلْ حدوْ     / دلْمنْ تصف

 

–          رْجعت عا نفس المدينة وشفْت باب

مستفعلن  / مستفعلن /     مستفعلان

إرْجعْ تعا       /نفْسلْ مدي/   نِوْشفْ تباب

 

_            الشّاعر إذا ما عاش أشرفلوْ يِموت

مستفعلن / مستفعلن / مستفعلان

(الْ)/      شاعرْ إذا  / ماعا شأشْ /رفْلوْ يِموت

(0)/   مستفْ علن/مستف علن/مستف علان

 

_            أمّا بالنسبة لجواز (متْعلُن مثل):

والحلا مطلوب من أهل الحلا

متْعلن/ مستفعلن / مستفعلان

ولْ حلا /مطْلوْ بمنْ /أهْلِلْ حلا

 

 

 

 

2_ الوافر (القصيد):

أيضاً لِلون القصيد حصّة كبرى في الحفل الزجلي، الافتتاح والختام، وغالباً يأخذ شكل القصيدة، ولا يأخذ شكل الردّة لأنّه أطول منها بكثير وينظم على قافيتين، في الصدر وفي العجز.

والوزن المستعمل في وافر الشعر العامّي:

 

مفاعيلن مفاعيلن فعولن

 

وقد يطرأ عليه أحد الجوازات فيصبح:

مفْعولن / مفاعيلن / فعولن

وفي بعض الحالات

مفاعيلن / مفاعيلن / مفاعيل

أمثلة:

-في الشكل المستعمل:

طلب منها سمار يبلّ ريقو

طلبْ منْها / سَمَا ريْبلْ / لريقو

مفاعيلن / مفاعيلن / فعولن

 

-وفي جواز (مفعولن) :

نحنا بالبداية والنهاية

مفعولن / مفاعيلن  / فعولن

نحْ نابل/ بِدَا ييْ ونْ / نِهاية

 

-ويُنْظَم أيضاً على بحر الوافر لون العتابا إضافة إلى لون القصيد.

 

* لا يتمّ احتساب السّاكن المبتدئ  للشّطر الشّعري العامّيّ أكان “ال” تعريف أو “باء” ساكنة أو “واو” ساكنة أو حرفاً ساكناً في بداية فعل، ووقوعه خارج المقياس العروضي لا يبطل من صحّة الوزن، وتنطبق هذه القاعدة على كل الأوزان المستعملة في الشعر العامّي.

 

3- السريع:

يطلِق البعض على القول المنظوم في هذا البحر اسم (المعنّى القصيد) وبعضهم (المعنّى القصير) وبعضهم (القصيد الطويل)، لا أدري من أين أتت هذه المسمّيات وما منطقيّتها، بالنّسبة لي، سأسمي هذا اللون باسم (السريع) تطابقاً مع اسم البحر الضابط.

لم يكثر هذا اللون سابقاً على المنبر الزجلي المعتاد، ولكن كثر في الكتب، وحاليّاً على صفحات التواصل، حتّى أمسى الوزن الوحيد الّذي ينظُم عليه محبّو الشعر العامّي، نتيجة لسلاسته وقدرته على حمل وإظهار العاطفة، ويغلب عليه طابع القصيدة وليس طابع الردّة.

والوزن المستخدم في سريع الشعر العامّي:

 

مستفعلن مستفعلن فعلن

 

ويجوز على تفعيلته الأولى جواز (متْعلن) أو (متفْعلن) حين الضرورة، وقد تصبح التفعيلة الأخيرة (فعلن) (مفعول)أو(فعلان).

مثال:

عا قدّ حبّي جبلك هْديّة

مستفعلن/ مستفعلن/ فعلن

عاقدْ دحب/ بيْ جبْ لكهْ/ ديْ ية

 

 

 

 

 

4- البسيط (الشروقي):

يسمّي البعض القول المنظوم على هذا البحر (بالشّروقي) وهذا ما أجده بعيداً عن المنطق، لأنّ الشروقي هو اسم لون غنائي وحسبْ، لون تمّ اشتقاقه من لونيّ (السويحلي والنّايل) وهما من ألوان المناطق الشرقيّة السوريّة، وثمّة من يعتقد أن هذا الوزن لا يقال إلّا غناءً على مقام (الهزام) المبسّط وهذا خطأ فادح لا أتقيّد به.

بحر البسيط بحر النّظم المتين، بحر المدّ والامتداد، يصلح للإلقاء، ويصلح لطباعة الكتب، ويصلح للغناء على جميع المقامات.

 

والوزن المستخدم لبسيط الشعر العامّي في بلاد الشّام:

 

مُسْتَفْعِلن فاعِلُن مسْتفعلن فعْلن

 

وقد يصيبها جوازٌ معيّن فتتحوّل تفعيلتها الأخيرة إلى (مفعول)أو(فعلان) ، وتصحّ (متْعلن) في مكان التفعيلة الأولى.

 

– ومن الجدير بالذّكر أنّ الموّال السبعاوي الحلبي يُنظَم على بحر البسيط بشكله التامّ (مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن) ولكنّه يعامَل معاملة الموّال ولم يعامل معاملة القصيدة إلى هذه اللحظة.

– أمّا فيما يتعلّق بنظم بحر البسيط الزّجلي (الشروقي)، فإنّ أغلب شعراء الزّجل، يقسمون شطر (الشّروقي إلى قسمين) بطريقة معتادة لتسهيل الإيقاع، مثل:

 

خلّي الشّروقي (الحلو) ، يْضوّيلِك وْيا عين

كلْ ما الشروق (انْكتب) ، بيبيّن شْروقي

مهضوم شطْر (الزجل) ، لو كان عا قسْمين

لكن متين (النّظمْ) بيمجّد شْروقي

 

ذاك هو النظم المعتاد للشّروقي المعتاد، على حين إذا أردنا نظمه على تقنيّات(البسيط) فقد يصبح هكذا:

 

خلّي مُسمّى البسيط، يْنوّر الدّربين

ويفيْض من نظـْرِتي، وْمن منبت عْروقي

ما بتعرفي أبسطِ النّظرات، بنت العين

والعين بتدوْق عَين، تفضّلي دوقي

 

أمّا هذه الأبيات، فقد يصعب فهم إيقاعها حتّى على ناظمي الشروقي المعتاد، لأنّها ألغت فكرة قسْم الشطر إلى إيقاعين وقامت بتوحيد الشطر ومنحه المكانة الأكمل.

ولنقِس ما سبق عروضيّاً:

 

-مستفعلن/ فاعلن/ مستفعلن /مفعو(ل)

مهضوم شطر الزجل لو كان عا قسمين

مهضومشط /   رزْ زجل/  لوْكانعا/  قسمي(ن)

 

بحر بسيط.

 

-مستفعلن/فاعلن/مستفعلن/مفعو(ل)

ما بتْعرفي أبسطِ النظرات بنْت العين

مبْتعْ رفي /أبْسطن/ نظراْ تِبنْ/تلْعين

 

أيضاً بسيط ولا مجال للتشكيك به.

والعين بتدوق عين تفضلي دوقي

ولْ عيْ نبتْ / دوقعي/ نتْ فضْ ضلي/ دوقي

 

 

5_القرّادي:

وهو اللون الأسهل الأصعب، اللون الّذي يضجّ بالحياة وبالألوان البسيطة، وفي الآن نفسه قد يكون مقتلاً لمن يستسهله.

حضر هذا اللون على المنبر الزجلي كفقرة تخفيفيّة تفصل بين الألوان الأساسية، والقرّادي الزجلي بنسخته الأصليّة، يختلف عمّا تبقّى من أنواع القرّادي المقيتة الّتي سمّيت زوراً واستسهالاً بهذا الاسم.

 

غالباً ما يأخذ هذا اللون شكل المطلع الأساس والردّات الّتي تعود إلى المطلع بالقافية الأخيرة، ويكون هذا المطلع مكوّناً من بيتين، والردّة على الأغلب من أربعة أبيات، ويتفرّع عنه الكثير من الأنواع مثل: (المجزّم، المخمّس مردود) والبحر الّذي ضبط هذا اللون هو بحر المتدارك وشكله في الشعر العامّي:

 

 

فعلن فعلن فعلن فعْل

 

 

ويمكن زيادة حرْف ساكن في بدايته بشكل لا يحتسب.

مثال:

لولا بْيجهل بو النّوّاس

شْفاف السمرا الغنّتلو

اللي سكْبتلو أوّل كاس

الْكاس التاني سكْبتلو

 

 

 

 

 

-وهناك لون الموشّح الزجلي ويضبطه الوزن التالي:

 

فعلن فعلن مفعولن = مفعولن فعْل

مثال:

ودّيني عا حارتها

وخلّيني دوق

الصّفوة من سيكارتها

سكّر محروق.

 

– وهناك ألوان زجليّة أخرى بقواعد أخرى وأوزان مشتقة ومجزوءة قد تختلف بالتفعيلات، ولكن ما تحدّثنا عنه آنفاً ينطبق على أغلب القوالب الأخرى.

 

**********

 

_ تقطيع الأشطر :

هو تجريد الكلمات الْمُراد قياسها، وقياس حجمها اللفظيّ على عدد سكوناتها وحركاتها، وتتمّ كتابتها بلا مراعاة لقواعد النحو والإملاء وبلا مراعاة لوحدة الكلمة، فعندما تقول:

وجْه الشّمِس

نكتبها كما لاحظنا مّما سبق:

(وجْ هشْ شَمِس) أو (وجْهشْ شَمِس)

وتقاس حركاتها وسكوناتها

/0/0//0

ولا يصعب على أحد إيجاد هذه الطّريقة الشّائعة في المراجع المختصّة، لذلك لا داعي للاستفاضة بها.

 

-الالتباسات النّظميّة والوزنيّة الشّائعة:

-تتعالى بعض الأصوات وترفض (الجوازات) رفضاً قاطعاً سريعاً وتبدأ بالإصرار على سؤال: (إذا كان الوزن التامّ موجوداً فلمَ استخدام الجواز)؟

 

ونقول لهم: إنّ الجواز هو منفذ قانونيّ اضطراريّ وحيلة قاعديّة مشرّعة بالفصحى كما في العامّية نتيجةً لمنطق رياضيّ علميّ لا يؤثّر في الناتج الصوتيّ للملفوظات التي شكّلت الوزن، وبالعودة لكلمة (اضطراريّ) نعم، يحقّ للشاعر أن يلجأ لهذه المنافذ حين الضرورة، ونرى أنّ هذه الأسلوبية قد تجلّت وترسّخت بمدرسة الزجل اللبناني والعهود الأولى منها، وعلى صعيد شخصيّ هذا ما كان يدعوني للاستغراب الإيجابي والإجلال لهؤلاء الشعراء الشعبيّين العباقرة الّذين استطاعوا استخدام تلك الحيل اللغوية واقتناصها من مرابض اللغة العربية الفصحى وتحويلها (لمزيّنات) تكشف مدى تمرّس الناظم وتمكّنه.

 

وعلى صعيد آخر، قد تشبه هذه الجوازات (العِرب الصوتيّة والعزفيّة) و(الحليات) الغنائيّة لدى المطربين والموسيقيين، فوجودها المخفّف والمدروس سيزيد القطعة الجافّة سحراً وطرباً وتمكّناً، وفي الوقت نفسه نعم لا تستطيع إغراق المقطوعة في هذه المزيّنات لأنها ستعاني الثقل والتخمة بلا شك، ولكن لا يحقّ لك أن تسمع الحلية الموسيقية وتقول إنّها نشاز! وهكذا هو الجواز.

وعلى صعيد شخصيّ أنا لا أستخدم الجواز بأشكاله كافة منذ سنوات، ولكن عندما استخدمته مبكّراً كنت أستخدمه عشقاً ومحاكاةً وتقرّباً من شعراء زجل أحببتهم واعتبرتهم منهجاً مقدّساً وهم كذلك، وعلى الأقل أيّها المريد الزجليّ، كيف لك أن تشكّك بقدرة رموز (شعراء الزجل) أمثال خليل روكز وخليل شحرور وشحرور الوادي وعلي الحاج القماطي وأسعد سعيد وحنا موسى ومحمد المصطفى وزين شعيب وزغلول الدامور وغيرهم وتسخّف تاريخهم المدروس؟ وتدّعي أنّك أكثر علماً منهم؟

كلّا لسنا أكثر علماً منهم، ولكن عليك أن تضع في عين الاعتبار والتقدير المرحلة الزمنيّة التأسيسيّة والتصرّفات اللفظيّة السائدة والمتوارثة في تلك الحقبة.

وعلى هذا الأساس نحن لا نروّج لاستشراء الجوازات، لأنّ تفشّيها سيشكّل الكثير من الأثقال الّتي ستطمس القواعد الأمّ، ولكن لا يحقّ لنا أن نلغيها ونرجمها، بل أن ندرس وجودها وتوقيته.

 

وبالعودة لعنوان هذه الفقرة، ما أقصده بالالتباس هو سوء الظنّ بالقاعدة الصحيحة وحسن الظنّ بالموروث الخاطئ وتنوّعت الالتباسات وكَثُرت النقاشات حولها، ومن أكثر  هذه الالتباسات شيوعاً:

 

1_ جواز ( متْعلن):

كثيراً ما يتّهِم بعض هواة الشعر الزجلي هذا الشكل بالكسر ويتسرَّعون بالأحكام المبرمة بلا دليل ولا برهان، وبكل تأكيد هذا الجواز صحيح نظراً لوروده بدساتير الأوزان ومبرّرٌ بدخول عدّة جوازات طارئة عليه، ليصبح على الشكل الحالي، كما أنه مدعّمٌ بأبيات خالدة لعمالقة الشعر الزجلي.

يقول أحد كبار شعراء الزجل:

كنت بهديكي شذى الوردات

كن تبه /ديكي شذل/ وردات

متعلن/مستفعلن/مفعول

بحر سريع.

مثال آخر:

ما خلق شاعر إلو كلمة معي

ما خلق/ شاعر إلو/ كلْميْ معي

متْعلن/مستفعلن/مستفعلن

بحر الرجز.

كيف لو تقبر حبوب الفلسفة

بو  أمل بالجو عالي منزلو

-واستعمال هذا الجواز وكل جواز آخر خير من إلصاق الحروف لإتمام الوزن

(كنت بهديكي شذى الوردات)، كان من السهل والممكن للكبير خليل روكز أن يقول:

(لو كنت بهديكي شذى الوردات) ولكن اختياره لجواز (كنت بهديكي شذى الوردات) هو ما أتمّ المعنى وأبعده عن اللصق والتعكّز على حروف مثل ( لو ) (تا)  (و) (لك).

 

وتكثر الأمثلة بما لا يعدّ ولا يحصى، وأجزم أن بعض الشّعراء استعملوا هذا الجواز للتّباهي ولإظهار المقدرة، وأؤكّد خلوّ تاريخ عمالقة الشعر الزّجلي اللبناني من أي كسر وزنيّ صريح على الإطلاق.

2_ التقاء الساكنين (افتراضاً) نتيجة اللفظ:

يُمنع التقاء الساكنين باللغة العربية الفصيحة، ولكن قد يضطرّ المرء أنْ يجمع حرفين ساكنين لأسباب شفهيّة ولفظيّة تتعلق باللهجات، وغالباً ما يؤدّي هذا اللفظ لتحريك الساكن وتسكين المتحرّك.

مثلاً:

مشتقلك ورح ضلّ اشتقل(كِ) (كـْ)تير

قمنا بلفظ (الكاف المتحرّكة) بكلمة (كتير) على أنّها ساكنة، وقمنا بلفظ كاف (اشتقلك) الساكنة على أنّها متحرّكة.

فتواها المناسبة: إذا أردت تقطيعها عروضياً فعليك بتسكين كاف (اشتقلك) و تحريك كاف (كتير) وكلّما قابلت الحالة نفسها عليك بتسكين المتحرك الاّول وتحريك الساكن التالي: (اشتقلكْ كِتير).

الفظها كما تريد، ولكن عند تقطيعها يجب إعادة التشكيل لوضعه السليم.

وتتكرّر الحالة بأشكال متعدّدة مثل:

كرمال الله روح لو بدّكْ تِروح.

-أو:

واقفْ وُناطرْ وُتارك كلّ أعمالي

واقفْ وُنا /طرْوُتا/رك كلْ لأع/ مالي

مستفعلن /فاعلن / مستفعلن /فعلن

يجب تسكين الفاء والراء وضمّ الواوات التالية وحتّى إن لفظناها عكس ذلك.

على العموم هذه فتوى راجحة ولا يمكن مغالطتها إذا أردنا رؤية الأمور من منظارها.

-أو ( شهر شهرين صرلي عم بنادي)

-أو:

لو كنْت مستفضي على مهلكِ (ا)قْعود

(قعود) كفعل أمر تحوي ألفاً محذوفة قبل حرف القاف، وإذا اعتبرنا الكاف ساكنة فستتحرك القاف تلقائياً ويستقيم التقطيع.

 

 

 

-وهناك حالات مشابهة مثل:

 

-(نزلتِ الْغيمة وطلعتِ الْغيمة)

(بانتِ الشّمس وكلّ شي بيّن)

طالما افتعل شعراء الزّجل هذه الحالة، وقاموا بتحريك السّاكن الأوّل على الرّغم من وجود السّاكن التالي المستحيل التحريك، مع العلم أنّ تقطيعها -برأيي- سيكون “مست(فِ)عْلن” بتحريك الفاء، ولن يصبح (فاعلاتن) وأقصد “نزْل(تِ) (ال)غيمة”، لأن الكسرة المخفّفة أو الضمّة المخفّفة (مجازاً) أقلّ جرماً من الفتح الصارخ ويمكن اعتبارها (سكوناً) متحوّلاً مطواعاً لشاعره القدير الّذي ارتأى هذا التّحريك الخفيف، وطبعاً أنا لا أنكر عدم وجود ما يسمّى ( ضمّة مخففة أو كسرة مخفّفة) بل قد تأخذ هذه الكسرة مكان حرف بأكمله، ولكن أنا أحاول أن أجد فتوى، وعلى كلّ حال إن ارتأى أحدهم على أنّها خطأ، فهي خطأ قد يكون بحكم الصحيح.

وأحياناً يضفي مستخدِمُ  الالتباس حالة من الشّرعيّة لهذا الالتباس إذا كان من العمالقة أمثال خليل روكز ومحمد مصطفى وزغلول الدامور وأسعد سعيد وغيرهم، ولكن كلّما استحال تحريك الساكن التالي ظهرت الهفوة واستحال تشريعها.

3_ تحويل سكون التفعيلة الأساسي إلى حركة.

(فاعلاتن مستفعلن مستفعلن نموذجاً):

(والزّمَن كلْ ما يمرّ عا أصحابنا)

(شايف دروب السفَر لازمها مشي)

(إنسان ضايع في بلاد العرَب مات)

يحوي خللاً ولا يمكن قبوله ولا يجب اعتماده كعرف مهما تردّد وتكرّر، وأؤكّد أنّه لم يُستعمل من أي جيل من الأجيال المؤسسة للشّعر الزّجلي.

 

-أو على الوافر (عطاني القمَر نظرة من عيونو) أو (إذا بتحبّ جوّ المطَر قلّي) .

خطأ أيضاً.

ويعدّ كثافة انتشار هذا الالتباس من أهم أسباب الرفض القاطع له، لأنّ الأذن ستتقبّله في المراحل الأولى لدخول العالم الزجليّ، وستعتبره من المسلّمات غير الخطرة نتيجة (تشابهه اللفظيّ) مع الوزن السليم وهو عكس ذلك، وهذا التشابه الخدّاع سيعيق أي تطوّر نحو النظم الاحترافيّ وسيطبّع الأذن الناظمة على الخطأ السمعيّ، وقد تتشابه هذه الحالة مع سابقتها، ولكنّها تختلف في مطواعيّة السّكون الّذي افترضناه سابقاً.

 

4_ معاملة حرف المدّ معاملة الحركة

لا يوجد ما يغالط هذا الشكل، مثل:

قوليل(ي)  لو حبّيت(ي)  غيري شي حدا.

ولكن من غير المحبّذ استعماله بالنّسبة لي، ولاسيّما في أواخر الكلمات.

 

 

5_ المدّ الصوتي لإتمام الوزن

مثل: ر(ا)بيع وصّل عا حدود المنطقة

-أو:

جيناك بْفصل الرّ(ا)بيع / يا ش(ا)فيق استنّانا

لا يوجد ما يغالط هذا التصرّف في الشعر الفصيح، ولكنّه غير مستحبّ في الشّعر العامّي.

 

_ مُتفعلن مستفعلن مستفعلن مثلاً

وردت هذه النقطة في هذا البحث في إطار توصيف حالات بحر البسيط وبحر الرجز ولم أتطرّق لشرحها لندرة وجودها في مدرسة الزجل اللبناني، ولكنّها موجودة بلا شك بأشكال الشعر الشعبي العراقي والمصري والنبطي وغيرها، وحتّى إن استُخدمت في الشعر الزجلي فلا يمكن مغالطتها على الرغم من عدم استحسان استخدام (المدّات) الصوتية كما قلنا في نقطة أخرى.

 

متفعلن مستفعلن مستفعلن

عطاك من قلبو الكلام الناطرو

عطاك من = متفعلن

و(عَطاك) في حكم (عاطاك).

 

من النادر والمخيف استخدامها وانتشارها ولكنها ليست خاطئة على الإطلاق.

6_ تبديل أشكال الأحرف: (على) قد تصبح (عا) أو (ع)، و(حتّى) قد تصبح (تا)، و (ب) قد تصبح (بي)، و (يا) قد تصبح (يَ) و (لا) قد تصبح (لَ) وغيرها.

ككلّ الالتباسات المسموحة، وبما أنّها من الملفوظات الحيّة يمكن استعمالها إن اقتضى إتمام المعنى وإيصال الصّورة تلك، ولا يوجد ما يحظرها، وبحال استعمالها يُنصَح بإبعاد مواضع ورود الأحرف المختلفة من بعضها بعضاً.

7_التذييل في التفعيلات الأولى: مثل (في هالمكان، والليل بلّش بالمطر).

طالما استخدم الرّعيل الزجلي المؤسّس التذييل في التفعيلة الأولى أو الثانية، وهذا غير وارد في دساتير العروض الفصيحة ولكنّه جائز في الشّعر العامّي حين الضّرورة، وخصوصاً في أسماء العلم.

-مستفعلن مستفعلان مستفعلن مثلاً

لقد وردَ في هذا البحث كلمة (التذييل) والكلمات الفضفاضة الّتي يضغطها الحزام المطّاطي، وعندما تريد النّظم في هذه العقليّة التي كانت سائدة في العصور التأسيسيّة يجب عليك احترام شكل (مستفعلن مستفعلان مستفعلن) لأنّ هذا التذييل هو في حكم (غير المحسوب) إمّا نتيجة لاستحالة الالتقاء للحرفين الساكنين لغويا كما قلنا، وإمّا نتيجة لعقليّة (ضغط الكلمات الفضفاضة) عروضياً كيفما لفظتها.

فعندما تقول:

هالشاهدين عم يشهدوا عا قولنا

أو

هالشاهدين والعارفين عم يشهدوا

في حكم

هالشاهدِن والعارفِن عم يشهدوا

.هالشاهدين في حكم (هالشّاهِدِن) وإن لفظتها عكس ذلك وتستطيع قياس هذا الأمر على تفعيلة مستفعلان الأخيرة المشرّعة أساساً، مع العلم أنّ تلك النّون الأخيرة من (هالشاهديْنْ) ستبقى ساكنة لفظاً وكتابةً، وكذلك الياء الّتي سبقتها، وهذا يعني تحتّم التقاء الساكنين، وبالتالي حذف إحداهما تلقائيّاً، وباعتقادي أن الزجّالين المؤسسين عندما استعملوها قد أخذوا تشريعها، إمّا من هذا المنطق وإما من منطق قياسها مع التفعيلة الأخيرة المُساوية كما قلنا، وهذا التبرير هو حالة خاصّة لطارئ  غير طبيعي، أمّا الحالة العامّة الطبيعية فتقضي بتحريك كل حرف ساكن بعد حرف ساكن مثل:

(جينالكن) سيتمّ اعتبار اللام متحرّكة بعد الألف، حتّى وإن لفظت تلك اللام بالسكون اللفظي.

8_ ابتداء البيت بأحرف ساكنة خارج المقياس العروضي:

(حْملت المشقّة وجيتكن ماشي)

الحاء السّاكنة في بداية الشطر لا تدخل في المقياس العروضي ولا تُحْتَسب، نتيجة عدم ابتداء أي فعل أو اسم أو حرف في اللغة العربيّة بسكون، ويتمّ ابتداء المقياس من الحرف المتحرك الأول.

حْ    ملْت المشقّة وجيتكن ماشي

(0)  مستفعلن مستفعلن فعلن

 

 

وهناك حالة أكثر تشعّباً وهي:

الميزان عم يشهد على اللي حاملو

قد يلفظها شعراء الزجل (أل ميزان عم … إلخ)

ولكن الألف الأولى ستعامل معاملة همزة الوصل غير المحسوبة لفظيًا، وستُعتبر اللام الساكنة المبتدئة في حكم غير الموجودة أيضا نتيجة وقوعها خارج المقياس العروضي، بالتالي سيبدأ المقياس من كلمة (ميزان عم يشهد على اللي حاملو).

وكذلك الأمر بالنسبة ل:

(اس) تعمل كلامك بالنقاش وبالدليل

(اح) ذفلي البقيّة وْما تناقش بالكلام

 

9_ استخدام ال (هاء) في الضّمائر المؤنثة والمجموعة وعدم استخدامها:

يقول بعض شعراء العامّية (يعطيها) ويقول بعضهم الآخر (يعطيّا) ، أو (يفديهن) (يفديّن) .

بالنسبة لي، لا أفضليّة لشكل على شكل إلّا بطبيعة القصيدة وما تستلزمه.

إلّا أنّ أجود الكلمات وأجود القواعد ما اقترب من قواعد الفصيح.

 

******

 

 

_تكثر الحالات ولكن هذه الحالات المذكورة قد تكون الأكثر استعمالاً ومن يتشرّب مغزاها فسيستنبط كل ما لم نتكلّم عنه من حالات، أمّا الالتباسات الناتجة عن اختلاف اللهجات، فلا يمكن إدانتها لأنّها من حق قائلها وبيئتها، وإن تناقضت مع الأعراف البديهية، مثل قافية (عيون، و كَون) ومثل تحريك حرف المدّ الأوسط السّاكن في الكلمة، (اليَوِم، اللَـيـِل) مثلاً.

 

 

-ملاحظة أخيرة: (هل الجوازات صحيحة أم خاطئة في هذا العالم الزجلي)؟

 

نخشى أن نقول صحيحة فيتم انتشارها وإكثار استعمالها،

ونخشى أن نقول خاطئة فنقع في تزوير التاريخ وإعطاء فرصة لمتصيّدي الأخطاء على حساب عمالقة الزجل المؤسسين.

 

جوابي الشخصي والحاسم: الجوازات بأشكالها كافة (صحيحة) ولكن لا تستخدمها إلّا حين الضرورة النادرة والرغبة المقصودة، وربّما كانت الغاية الأساسيّة لهذا البحث هو إيضاح هذه التصرّفات وتخمين الفتوى المخصّصة الّتي استند إليها شعراء الزجل الأوائل، ولا يضرّ أن نجد التبريرات لكل زوايا هذا الموروث بل ما يضرّ هو التشكيك به.

وقد تتعارض أحياناً القاعدة مع العرْف، وهنا سيكون الحكَم الأخير  بينهما هو التواجد الحي والانتشار الشعبيّ لهذا التصرّف وهذا ما يسمّى (النّكهة) فأحياناً تستطيع أن تميّز منطقة هذا النظم من خلال الطابع الشعبيّ الّذي يَسِمَهُ بشيفرة وراثيّة يلحظها المختصّون.

 

 

 

 

 

-النّظم على أشكال مشتقّة من بحر البسيط:

لا يمكن تطبيق كلّ خصوصيات البحور الفصيحة على الكلمة العامّيّة، بل يمكن إيجاد قاسم مشترك ومنطقي يتماشى مع خصوصيّة العامّيّة، وطالما استوقفني البحث عمّا يمكن تطبيقه وإسقاط بعض جوانبه من قواعد الأوزان على الشعر العامّي، ومن بعض هذه الاجتهادات قصيدة محراب شامي (واردة في كتاب الميزان ص73):

 

مع كلّ شي بْهالحرِب صار الشّرق عصَبي

كلّ المَحَبّة لِكلّ العالم العرّبي

قولولهن ياخِدوا الحاجة بدون حْساب*

ويحوّشو مْن العنب والفستق الحَلَبي

 

_ تحتوي هذه القصيدة على نقطة وزنيّة تستحق التبيان والتوضيح.

يصحّ كل شطر في هذه القصيدة بشكل منفصل على بحر البسيط، ولكن استخدام القافية الوسطى بهذا الشكل لا يصحّ بأعراف نظْم هذا البحر، مثلاً:

(مع كل شي بْهالحرِبْ صار الشرق عصَبي ……كل المحبّة لكلّ العالم العربي ) يصّح على بحر البسيط ولكن:

قولولهن ياخدوا الحاجة بدون حْساب … ويحوّشو مْن العنِبْ والفستق الحلبي

لا يمكن اعتباره من بحر البسيط إلّا إذا أصبح:

ليحوّشو من العنب والفستق الحلبي … قولولهن ياخدوا الحاجة بدون حْساب

بمعنى: يجب أن تكون التفعيلة الأخيرة من الشّطر الأول (فعِلن) بتحريك العين والتفعيلة الأخيرة من الشطر الثاني (فعْلن) بتسكين العين، أو أن تكون (فعِلن) متحرّكة ومتطابقة في نهايات الشطرين الأول والثاني، وهذا الأمر من أعراف النظم في هذا البحر.

 

وبعد مناقشات مطوّلة مع بعض شعراء الفصحى، اقتضت الفتوى بأنْ يكون هذا الشّكل ابتكاراً وخياراً شخصياً للنّظم وليس من اللزوم اعتباره من بحر البسيط، مع التّأكيد أنّ كل شطر من الأشطر يصحّ على بحر البسيط، علْماً أنّ أغلب الأوزان الزجليّة تستمدّ قانونها من صحّة تفعيلة (الشطر) ولا تعتمد على عرْف (البيت الكامل).

 

وفي اجتهاد آخر منّي لاستيفاء شروط البسيط قلت:

 

يا ربّ لا تواخذِ بْلادي بما فعَلوا

وتفكّر الجاوبوا أحسن من السّأَلوا

 

 

بيجوز صوم البطون بْيثبتو الغلَيان

بسّ الصيام الحقيقي بيفرضو عمَلو

 

 

يا رب إرأف بِقلب مْعلّقو بـ زَمان

راحوا الورود اللي فيه وْضلّ مع زعَلو

 

 

واغرس بدربو وصول العيد عا رمَضان

شي عمر مستاهل، يْواسيه بالرّحَلوا

 

هذا حلّ مقبول، ولكن الكلمات المطابقة ل (فعِلن) محرّكة العين قليلة جدّاً في اللهجة العامّية وإن وجدت فستستهلك سريعاً، ولذلك أنا أرجّح وأفضّل وأدافع عن الشكل الموجود في محراب شامي.

 

وقلْت أيضاً في شكل آخر:

 

صباح الطبيعة

شو بْحبّ فيْق الصّبِح، والهامش المزدوَج

خدّك ع خدّي، وْ بِإيدِك تنمزج إيدي

مزْج الصبح بالمسا، وهالكاس كلْ ما انْمزَج

بتْزول كلّ الدّني، وْبتضلّك جْديدة

وبْحقّ بحر البسيط وحقّ بحْر الهزَج

مَ بْحبّ إنّك خِطط مكياجك تْعيدي

ضلّك على فيقتِك، معليش ما في حرج

إنتي الصبح قهوتي، وْإنتي المسا نْبيدي

 

-مفهوم القافية:

بالنّظر إلى أنّ صحّة القافية تبدأ من الحرف الأخير وتزداد قوّة كلّما تطابقت الحروف ما قبل الأخيرة، كنْت أعتقد أن أجمل القوافي أصعبها، والآن أنا على يقين أنّ أجمل القوافي ما استوفى المعنى فقط وحافظ على سير القصيدة، سواء أكان صعباً أم سهلاً.

وعلى هذا الأساس، قافية ( قلق، رمق، نسق) أكثر طواعية وجمالاً وخلقاً من (عبق، لبق، سبق) وباعتقادي إنّ إشباع الرّوي خيرٌ من إتخام القافية، وبالنسبة لي، أفضل القوافي ما خليَ من أحرف الضمائر.

 

– مواضع القافية:

يختلف استخدام القافية باخْتلاف الوزن الضّابط للقصيدة، وباختلاف اللون المتوارث، وتماشياً مع ضرورة القافية لكَونها مكوّناً أساسياً من مكوّنات فنّ (الشّعر)، يجب على المُريد أن يتشرّب أعرافها وخصوصياتها، من خلال الاستماع والاطّلاع على الألوان، ويتحتّم عليه معرفة سبُل تطويعها في وزن البيت بشكل كامل، لأنّ أي قافية بلا وزن يضبط قصيدتها لا قيمة لها على الإطلاق، مع العلم أنّ الوزن هو من يقوم بتحديد قالب القافية وشكلها المستخدم في الشّعر العامّي، فلا يمكن استخدام قافية (وقار) مع قافية (استهتار) أو قافية (قمر) مع قافية (يسهر)، وهذا ما قد نعود إليه في بحث آخر.

 

-كيفيّة تعلّم الوزن:

بدايةً يحتاج تعلّم الوزن لإدراك الوزن، إنّ هناك وزناً نريد بلوغه، وثانياً يجب حفظ عددٍ كافٍ من أبيات هذا الوزن مع اللفظ الصحيح وترديدها بشكل يوميّ، وهكذا ستترسّخ ملامح الوزن في وعْي المريد، وحينها يستطيع الاطّلاع على القواعد والتفعيلات والبدء في المقارنة، وقبل ذلك يجب عدم الاطّلاع على التفعيلات لأنّه سيقتل مرونة الكتابة الّتي كان سيكتسبها نتيجة الاستماع والاختبار والتجريب، ومن الأخطاء الفادحة أنْ يقوم الشاعر بقياس كل ما يكتب على تفاعيل الأوزان، والخطأ الأكبر أن يضع التفعيلة وأن يبدأ بتركيب الأحرف لتشكيل الوزن، لا، المقياس العروضي هو الحكَم الأخير عند الالتباس وعندما يتمكّن الشاعر ويمتلك المخزون والشرعيّة والرؤية قد يستطيع تطويع ثانويّات العروض كما يشاء، وهو على يقين أنّه لن يمسّ بقدسيّة القواعد الرأسيّة.

 

ولكن الأكثر أهمّيّة، هل تستحق الكتابة الشعريّة كلّ هذه الكماليات؟

ببساطة، المهمّ أن تستوفي درجة مقبولة من الصحّة، ودرجة كبرى من الإبداع.

 

-وبما يتعلّق برؤيتي الشّخصيّة، فلقد حاولت قدر الإمكان أن يكون هذا البحث أقرب للعلميّة والواقعيّة لإيضاح مفاتيح النّظم المستعملة في فضاءات الشّعر العامّي سابقاً، ولمْ أذكر استنتاجاتي الوزنيّة الحاليّة والطّرق الّتي أسْعى لاستكشافها، فمن المبكّر ترسيخها كقواعد عامّة، فهي قواعد خاصّة قد يلمسها البعض في كل قصيدة واردة في هذا الكتاب.

وعلى أثْر كلّ هذه النّقاط الّتي تكلّمنا فيها، يترتّب علينا القول: إنّ الوزن هو بوّابة أولى لعوالم الشّعر، وليست الغاية الكبرى؛ بل هي المدخل وحسْب، وأسهل ما في القواعد أن تُدرَس، وأوضح ما بالنّظم أنْ يُفكّك، وأصعب ما بالشّعر أن يترجم . فإذا أردنا استبيان قيمة مقطوعة ما، فلنترجمها إلى لغة أخرى، فإن حافظت على معناها بعد التجريد من مزيّناتها، فهناك ما يسترعي التّقدير، وإذا فقدت معناها فلا بأس، قد تكون على خلُق وسيم في سياقها وفي مجتمعها وفي وزنها الّذي يضفي بعداً إلى المعنى، فيكاد يكون من مكوّنات المعنى، ومن هذا القبيل، يؤكّد بعض الرسّامين أنّ اللون المنظور لا تراه كلّ الأعْيُن بالدرجة نفسها، وقد يكون الأصفر الّذي تراه غير الأصفر الّذي أراه مادّيّاً، وهذا لا إحاطة به، بينما الإحاطة تقع وتتضح على الرؤية المعنويّة وأثرها، فمن الإمكان مثلاً دراسة مدلولات (مقام الحجاز) الموسيقي عند الشعوب، فالحجاز العراقي هو لون الأحزان، بينما الحجاز الحلبي هو اللون الأعلى لمرحلة تفوق الفرح الطربي وتسمّى “السلطنة”، بينما يحتلّ الحجاز الدمشقي لون الامتثال الصّوفي، وقسْ على هذا المقياس كلّ كلمة وكل إيقاع ورَد في أمّهات كتب الشعر، وضَعْ في الحسبان الاختلاف المكاني والتباين الزّماني للشّاعر وللمتلقّي.

– الشّعر العامّي كاختصاص مستقلّ وليس كملجأ:

يعتقد البعض أنّ القصيدة العامّية هي واحة للتّخلّص من القواعد وإراحة للنّفس بعد سنوات إرهاق مع قصيدة الفصحى الكلاسيكيّة، لا تتّسم هذه الرؤية بالصّحّة على الإطلاق، فللشعر العامّي ضوابط وقواعد قد يكتسبها شاعر الفصحى خلال أيّام، ولكن لن يكون من السّهل كتابة قصيدة عامّية جيّدة، وذلك يشبه الفروق بين آلة التشيلّو وآلة الكمان، نعم ، المبدأ مشابه، ولكن الممارسة مختلفة، وكذلك الأمر بالنّسبة لشاعر العامّيّة الّذي يحاول امتلاك أقلام الشّعر الفصيح.

نرحّب بكلّ شاعر فصحى يحاول أن ينظم العامّية بصفته زائرا محبّاً ومحبّباً على أن يحبّ هذا اللون، وألّا يعتبره لوناً منقوصاً كتبه في ساعات ضجره.

 

-إرهاق الشّعر العامّي بالقواعد:

على خلاف ما تكلّمنا به في هذا البحث، تحديد الالتباس هو إضاءة في سبيل عدم استعماله الدّائم، مع العلم أن استخدامه لن يعتبر في عِداد الخطأ، ولكن قد يكون هذا اللفظ المتبدّل، أو ذاك الحرف المختصر، أو ذلك الحذف العروضي،  أو تلك المدّة الصوتيّة؛ قرباناً لبناء قصيدة مبدعة خلّاقة، وحينها لا ضير في استخدام كل ما اخْتُلِف حوله.

وفي سياق منفصل، وطبقاً للأعراف النّظميّة السّائدة في الكتابة العامّية، فإنّ تغيير شكْل حروف المدّ وأماكن علامات الترقيم ووضع ثلاث نقاط أو عدّة فواصل وما شابه هي تصرّفات (تخيّليّة وتعبيريّة) تشبه لهجاتنا العامّية، وليست تطبيقاً خاطئاً للقواعد، علماً أنَ القاعدة الأساسيّة في كتابة الشّعر العامّي هي (اكتب كما تلفظ).

على العموم، يحمل الشّعر العامّيّ اسم العامّة بِاسْمه وفي سماته، وعواطف العامّة يجب ألا يحدّدها سيف، ولا أن يرهبها انتقاد، انظموا القصائد، وقولوا العتابا، وأنشدوا القدود، ولوّنوا الأهازيج، وغنّوا الزّجل، على أن يكون (جميلاً) ويكفي.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock