اقتصاد

الوصايا الاثنتان والعشرون لـ«ليرة» بصحة جيدة … وصفة «مداد» لوقف تدهور سعر الصرف وتعزيز موارد المصرف المركزي من القطع الأجنبي

قدم تقرير «تأثيرات الأزمة في الاقتصاد السوري» الصادر منذ أيام عن مركز دمشق للأبحاث والدراسات «مداد» عرضاً منهجياً مفصّلاً عن تطور سعر صرف الليرة السورية، خلال الأزمة، ضمن سياق تحليل علمي، في شقيه الأساسي، الذي تناول مكونات الطلب على الدولار، والعرض، بالإضافة إلى التحليل الفني الذي تناول الحركة التاريخية لسعر صرف الليرة أمام الدولار الأميركي. وقدم جملة مقترحات، على المديين، القصير والطويل.
وبحسب التقرير، فقد سجل سعر صرف الليرة السورية، مقابل العملات الأجنبية انخفاضات متتالية خلال سنوات الأزمة، ويعود ذلك إلى عوامل اقتصادية وأخرى غير اقتصادية. حيث انخفض سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأميركي بحوالي 8 أضعاف في خلال الفترة الممتدة من نهاية عام 2011 إلى نهاية عام 2015 (من 46.85 إلى 391 ليرة سورية للدولار الأميركي الواحد). ورغم هذا التراجع الكبير في سعر صرف الليرة السورية، فإنه لا يمكن وصفه بانهيار في قيمة الليرة السورية إذا ما تمت المقارنة بين حجم التأثيرات التدميرية للأزمة في الاقتصاد السوري، وبين تراجع سعر صرف الليرة السورية، أو حتى عند المقارنة مع الدول التي تعرضت لظروف مشابهة لما تمر به البلاد مثل لبنان والعراق، إذ انهار سعر صرف الدينار العراقي والليرة اللبنانية بشكل كبير، ولم يعد لهما قيمة في عمليات التبادل.وذكر التقرير أن هناك استمراراً في انخفاض سعر صرف الليرة. وإن الإجراءات التي اتخذها المصرف المركزي، من خلال عمليات التدخل التي أجراها، واتباع سياسات نقدية غير واضحة، واستهداف مواطن الطلب على الدولار؛ غير كافية، وتفتقد وجود إستراتيجية وطنية واضحة لمعالجة الأسباب التي أسهمت في انخفاض سعر صرف الليرة السورية. وكل ما يتم فعله هو التخفيف من حدة هذه الانخفاضات.وأورد التقرير بعض المقترحات لتعزيز موارد المصرف المركزي من القطع الأجنبي ولوقف تدهور سعر صرف الليرة السورية، على المديين القصير والطويل.

المقترحات على المدى القصير

1- دارسة إمكانية الاقتراض من الدول الصديقة (روسيا، الصين، إيران، العراق، إلخ) وبضمانة الأموال السورية المجمدة في الخارج والتي تقدر بأكثر من ملياري دولار أميركي والتي تعود إلى مصرف سورية المركزي، والشركة السورية للاتصالات، والسورية للطيران.. إلخ). بحيث يتم الاتفاق على تنازل الدولة السورية عن الوديعة المجمدة في المصارف الأجنبية مع فوائدها مقابل سيولة نقدية بالقطع الأجنبي تستخدم لتمويل المستوردات والتدخل في سوق القطع لحماية الليرة السورية.
2- إصدار شهادات إيداع دولارية مضمونة من الحكومة السورية (مصرف سورية المركزي) موجهة للأصدقاء والمغتربين السوريين المقيمين في الدول الصديقة.
3- إلغاء نشاط بيع وشراء القطع الأجنبي من عمل شركات ومكاتب الصرافة والإبقاء على نشاط استلام وتسليم الحوالات فقط.
4- الإبقاء على أسعار تسليم الحوالات قريبة من سعر صرف الليرة السورية في السوق الموازية بهدف ضمان مرورها في القنوات الرسمية، وبالتالي زيادة حصيلة الحوالات الواردة لمصرف سورية المركزي والتي من الممكن إعادة استخدامها في تمويل المستوردات أو في عملية التدخل في سوق القطع بهدف إدارة سعر الصرف.
5- منع استيراد كافة السلع الكمالية وليس منع تمويل استيرادها لأن منع تمويلها يعني أن التجار سيتحولون إلى تمويلها عن طريق السوق الموازية وبالتالي سيبقى هناك طلب على القطع، أما منع استيرادها فيعني عدم قانونية استيرادها، وبالتالي التخفيف من الطلب عليها ولكن ليس بشكل نهائي، بل من المؤكد أن تستمر وتنشط عمليات التهريب ولكن ليس بنفس القيمة.
6- العمل على إلزام المصارف الخاصة على إعادة جزء من الأموال الموظفة في الخارج والتي هي عبارة عن قطع أجنبي والمقدرة بأكثر من 1.5 مليار دولار أميركي والموظفة حالياً في المصارف الأجنبية في الخارج، وخاصة في لبنان وبفوائد بأقل من 1% والعمل على خلق فرص توظيفية لها عن طريق إيداعها في المصرف المركزي بفوائد أعلى تتراوح بين 1.5 و2% والتي يمكن استخدامها في تمويل الأنشطة الاقتصادية.
7- تشديد الإجراءات الرقابية على شركات ومكاتب الصرافة العاملة في القطر وخاصة فيما يتعلق بعمليات المضاربة بالليرة السورية.
8- رفع وإيقاف الملاحقات الأمنية مؤقتا التي تستهدف قنوات تحويل القطع الأجنبي من الدول الأوروبية إلى الداخل السوري، والتي تتم عبر مجموعة من الأفراد يقومون بتحويل الأموال باستخدام قنوات الاتصال المشفرة (الفايبر، الوتس آب.. وغيرها) وللأسباب التالية: تتم عمليات التحويل هذه من الدول الأوروبية إلى الداخل السوري وباتجاه واحد فقط، وتعتبر مورداً جيداً للقطع الأجنبي وان كانت تصرف في السوق الموازية. هذه الحوالات عبارة عن تحويلات بقيم صغيرة لا تتجاوز 500 دولار مرسلة من السوريين المقيمين واللاجئين في الدول الأوروبية إلى أهلهم في سورية، ولا تشكل عمليات لغسل الأموال أو تمويل الإرهاب كون الأخيرة تتم بطرق أكثر سرية وبمبالغ كبيرة.
نشأت هذه الشبكة من السماسرة والصرافة ليس نتيجة للواقع السوري الداخلي بل نتيجة للقوانين والأنظمة الأوروبية التي تمنع على اللاجئ إرسال أموال إلى خارج البلاد، وبالتالي ليس بإمكان اللاجئ استخدام شركات الصرافة الموجودة في الدول الأوروبية لتحويل الأموال إلى سورية وذلك بسبب المراقبة الشديدة لأعمالها من قبل الجهات الوصائية في أوروبا.
9- إلغاء جلسات التدخل التي يقوم بها مصرف سورية المركزي والتي أثبتت عدم جدواها. وتوجيه القطع لتمويل عمليات الاستيراد للسلع الضرورية.
10- الاستمرار في بيع المواطنين قطعاً أجنبياً للأغراض غير التجارية (استشفاء، دراسة..) وذلك عن طريق المصارف حصراً.
11- دراسة موضوع إعادة فتح المعابر الحدودية مع الأردن (معبر جديد في محافظة السويداء)، والعراق (معبر التنف الحدودي) وذلك لما للأمر من تأثير إيجابي على واردات الدولة من القطع الأجنبي.
12- تولي الدولة مهمة عمليات الاستيراد للسلع الضرورية ويمكن للدولة لتجنب العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها عن طريق تأسيس شركات وهمية في المناطق الحرة أو حتى في لبنان وبأسماء وهمية.
13- إلزام هيئات ومنظمات الإغاثة الدولية باستجرار المواد الإغاثية المتوفرة في الأسواق المحلية، وذلك بهدف دعم الإنتاج المحلي، إذ تستورد المنظمات الدولية مواد إغاثية بحوالي 800 مليون دولار سنوياً.
14- دعم الصناعة الوطنية ودعم التصدير من خلال مساعدة المصدرين في الوصول إلى الأسواق الممكنة عبر اتفاقيات مع الدول الصديقة (إيران، العراق، الصين، روسيا..) بهدف تأمين مشاركة الشركات السورية في المعارض الخارجية (لا تحتاج الشركات لدعم سعري على اعتبار أن المنتجات والسلع السورية أصبحت من الأرخص عالميا بسبب انخفاض مكون الأجور من إجمالي كلفة الإنتاج).
15- تشجيع المواطنين والشركات على الإيداع بالدولار الأميركي من خلال تحريك الفوائد بالإضافة إلى إعطاء ضمانات كافية للمودعين.
16- محاربة ظاهرة الدولرة في الاقتصاد وان كانت مازالت في بدايتها، وتشديد العقوبات القضائية على المضاربين والمتعاملين بغير الليرة السورية.

المقترحات على المدى الطويل

1- يجب العمل على وضع إستراتيجية متكاملة، تشرف عليها كل من وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية ووزارة المالية ومصرف سورية المركزي، وذلك لتحديد الوسائل والأدوات الكفيلة لخفض العجز الهيكلي في الموازنة العامة للدولة وميزان المدفوعات، وتعمل على جانبي العرض والطلب على القطع الأجنبي، فلابد من السعي للتخفيف من الطلب المحلي على القطع الأجنبي (ضبط المستوردات، ضبط عمليات تهريب القطع للخارج، والمضاربة..) وفي الوقت نفسه العمل على زيادة العرض عن طريق تنشيط الإنتاج والصادرات، والسعي إلى تأمين قروض ميسرة طويلة الأجل من الدول الصديقة.
2- إعادة النظر بهيكل أسعار الفائدة على الودائع والقروض بالليرة السورية والدولار الأميركي.
3- حل مشكلة تمويل الشركات المتوسطة والصغيرة التي تعاني مشاكل تمويلية والتي تشكل أكثر من 70% من الاقتصاد الوطني وذلك من خلال تشكيل صندوق لإقراض هذه الشركات.
4- إعطاء الأولوية لتحرير حقول النفط من العصابات المسلحة لما لذلك من إثر إيجابي كبير في واردات القطع الأجنبي من جهة، وعلى تقليل فاتورة المشتقات النفطية المستوردة من جهة ثانية.
5- العمل على إصدار أوراق مالية حكومية (سندات وأذون خزينة) بهدف تأمين موارد مالية لوزارة المالية وبأساليب لا تؤثر في مستويات التضخم.
6- قيام مؤسسات التدخل الإيجابي بالتدخل المباشر في عمليات الاستيراد والتوزيع، وصولا إلى المستهلك النهائي، أما ما تقوم به المؤسسات حالياً من تأجير لصالاتها للقطاع الخاص فلم يؤد الدور المطلوب منها لكون في أسعار البيع تقارب أو تعادل الأسعار في الأسواق.

التعليق :

تتسم تلك المقترحات التي تقدم بها مركز «مداد» بالواقعية، والمنطقية إلى حدّ ما، قياساً إلى الظرف الراهن، ولكن هذا لا يمنع الاختلاف معها في بعض النقاط، فبدايةً، تبدو دعوة التقرير الحكومة لدراسة إمكانية الاقتراض من الدول الصديقة بضمانة الأموال المجمدة في الخارج ضعيفة، وليست ذات جدوى اقتصادية عالية، فصحيح أن الدين هو حالة طبيعية في ظل الظرف الراهن، لأن مشكلات الاقتصاد أكبر بكثير من مشكلة الدين والتزاماته، إلا أن طروحات المركز تبدو ضعيفة فنياً، وذلك لأن حجم الضمانات في حال غطى كامل القروض فلن تتعدى ملياري دولار أميركي، وهذا المبلغ أقل بكثير مما هو مطلوب للاستفادة من مبلغ القرض، إذ إنه سيذهب لتمويل التجارة الخارجية، وسد عجز الموازنة، وهذا قائم حالياً عن طريق التمويل بالعجز، أي بالاقتراض من المصرف المركزي، لذا فإن الاستدانة من الخارج حالياً تعني مراكمة أصل الدين وفوائده وتأجيل عبئه للمستقبل القريب، ما يعوق عملية النمو بضغط الموازنة لتسديد الدين، على حين المطلوب مبالغ كبيرة تستثمر في مشاريع مولّدة للدخل، ومبلغ ملياري دولار لا يلبي الطموح حالياً، ويبدو الأفضل ذكره في المدى الطويل.
كذلك الأمر، فإن دراسة إصدار شهادات إيداع دولارية وأوراق دين حكومي (سندات وأذونات خزينة) يعني دعوة الحكومة للاستدانة، علماً بأن هذه الأموال تذهب لتمويل العجز في الموازنة، وليس للاستثمار، لأن تمويل الاستثمار يتطلب إستراتيجية وطنية واضحة تقول إن الدولة سوف تستثمر، وهذه مشاريعها، وهذه الأموال التي تحتاج إليها، وهذا غير متاح حالياً، ولا أظن في المستقبل القريب.
هذا وتبدو مقاربة مقترحات التقرير لأهمية التصدير، وكأنها تنغّم على طموحات حكومة خميس التي تعمل على إقرار منهجية تصدير، علماً بأن هذا التوجه مخالف للواقع الاقتصادي، بحكم الشرط الحاكم للظرف الراهن، والمخالف للتصدير، إذ إن التصدير ذو تأثير سلبي في سعر الصرف، لأنه يحافظ على/ويفتح باب الطلب على الدولار، من جانب الطلب الاستهلاكي، ومن جانب مستلزمات الإنتاج. كما يتجاهل واقع المنافسة في الإقليم، وخاصة المنتجات المصرية والتركية. علماً أن المطلوب اليوم هو اعتماد إستراتيجية وطنية لإحلال المستوردات أولاً، ثم البحث في التصدير كمنهجية وطنية. وتنحصر الأولوية في تصدير الفائض الزراعي (حمضيات- تفاح- زيتون..) دون قطع سلسلة القيمة، أي تصديرها بعد التصنيع. ويكون مفيداً تولي الدولة مسؤولية تنظيم استيراد مستلزمات الإنتاج بشكل مباشر.
كما إنتاج سلع للتصدير وضمان المنافسة بحدها الأدني، يتطلب سياسة تسليفية بفوائد مخفضة (تشجيعية) وسياسة أجور تخدم المنتج لضمان سعر تنافسي، ما يعني إما الحفاظ على مستوى الأجور الحالي وإما تخفيضه.. وهذا مخالف للهمً الرئيسي الذي يجب أن يتمثل بتعزيز الدخل الحقيقي للمواطن، وتمكينه من الاستهلاك لأنه أساس الطلب الفعّال الذي يحرك النمو الاقتصادي. كما أن السياسة التسليفية المطلوبة لا تتناسب مع ظروف مستوى التضخم.. ومن ثم هو مستحيل واقعياً.
هذا ومرّت عبارات مثل (ضبط المستوردات، ضبط عمليات تهريب القطع للخارج، والمضاربة) مرور الكرام في المقترحات، علماً أنها تمثل أبرز التحديات أمام قيمة الليرة، ولو طبقت كامل المقترحات، دون هذه الإشكاليات، فإن شيئاً إيجابياً لن يتغير في سعر الصرف، وحل هذه المشكلات مهمة حكومية لا تقتصر على وزارات الاقتصاد والمالية المصرف المركزي، بل يجب أن تتضمن وزارات العدل والداخلية وغيرها. ويجب الإسراع في إصدار قانون حماية العملة الوطنية وضمان تطبيقه على الجميع.

المحرر الأفتصادي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock