مقالات وآراء

باليابانية.. إنها قمة القمم الجانبية

سمات متعددة اتسمت بها قمة العشرين بحلتها الأخيرة كان أبرزها انعقادها لأول مرة في مدينة أوساكا اليابانية منذ تأسيس المجموعة عام 2008، حيث هيمنت على القمة باجتماعاتها العامة والجانبية مناقشة ملفات مثيرة للجدل شكلت انقساماً وتجاذباً واضحاً على الساحة الدولية تتعلق بالتجارة والصراعات الجيوسياسية والمناخ.
ومن السمات الأبرز لهذه القمة أنه تخللتها قمم جانبية شكلت أهمية توازي وربما تفوق أهمية القمة بحد ذاتها في بعض اللقاءات من أبرزها:
* اللقاء الأميركي الروسي الذي يمكن وصفه بقمة الحدود الدنيا من التوافقات: هو اللقاء السادس بين الرئيسين الروسي والأميركي مع اختلاف طبيعة وشكل هذه اللقاءات التي كان أولها في قمة هامبورغ بتموز 2017، وما تلا ذلك من لقاءات جانبية أو معمقة كما حصل في قمة هنلسكي، وكانت «التوافقات بحدودها الدنيا» هي العنوان الأبرز الذي يمكن إطلاقه على هذا اللقاء وسط انقسامات في المواقف السياسية بين الجانبين تجاه الأزمات التي تشهدها الساحة الدولية، وهذه التوافقات تعود لعدة أسباب تشكل حاجة أميركية ملحة:
الأول: أثبتت الأحداث السابقة وخاصة إسقاط إيران للطائرة التجسسية الأميركية في مضيق هرمز، عدم قدرة الولايات المتحدة الأميركية على استخدام القوة العسكرية لفرض إملاءاتها وأهدافها في التعاطي مع الدول مثل فنزويلا وأوكرانيا وسورية واليمن وإيران وكوريا الديمقراطية، ومن ثم فإن الرئيس الأميركي دونالد ترامب بحاجة لإبقاء على صيغة التعاون مع روسيا ولو بحدودها الدنيا في محاولة إيجاد نوافد لواشنطن للإبقاء على تأثيرها ودورها السياسي.
ثانياً: الدور الروسي المتنامي والمتزايد في إدارة الملفات الدولية، وخاصة بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني وتعرض المفاوضات بين واشنطن وكوريا الديمقراطية لانتكاسة، وهنا يبرز الدور الروسي المؤثر في كلتا الدولتين بحسب طبيعة المواقف والمصالح التي تربط موسكو مع عواصم هذه الدول واحتمالية أن تؤدي روسيا جسر تواصل مع إيران وكوريا الديمقراطية.
ثالثاً: التمهيد لهذا الاجتماع منذ زيارة وزير خارجية أميركا مايك بومبيو منذ شهر أيار لموسكو وصولاً للاجتماع الثلاثي الذي انعقد على مستوى رؤساء الأمن القومي لروسيا وأميركا وإسرائيل في الأراضي المحتلة قبل يومين من انعقاد قمة العشرين في اليابان، وما ساهم في نجاح انعقاد هذا الاجتماع بين الزعيمين وعدم إلغائه على غرار ما حصل في قمة الأرجنتين العام الفائت، هو تخلص ترامب من الضغوط الداخلية المتمثلة في اتهامه بالعلاقة والتدخل الروسي لضمان نجاحه في انتخابات 2016.
رابعاً: تفاقم الخلافات الأميركية التركية من جانب والخلاف التركي مع روسيا من جانب آخر فيما يتعلق بالملف السوري، فالتنامي بالخلاف برز مع واشنطن على خلفية رغبة أنقرة في خرق محرمات الناتو بالحصول على منظومة «أس400» من روسيا العدو التاريخي لحلف الأطلسي ورفضها التزاوج مع الأكراد في المنطقة الآمنة، على حين تمثل الخلاف الروسي مع تركيا فيما يتعلق بعدم تنفيذ أنقرة لالتزاماتها في محاربة الإرهاب وعرقلة تشكيل اللجنة الدستورية.
خامساً: اقتراب موعد الانتخابات الأميركية وحاجة ترامب إلى تحقيق أي إنجاز سياسي خارجي يوظفه ضمن حملته الانتخابية القادمة.
• قمة الرئيسين الصيني والأميركي: يبدو أن هذه القمة أنضجت ثمارها مؤقتاً في المرحلة الحالية نظراً لحاجة ترامب بهذا التوقيت نحو تهدئة الداخل الأميركي قبل بدء موسم الانتخابات الرئاسية، وخاصة أن الضرائب التي فرضها ترامب على المستوردات الصينية انعكست على الشعب الأميركي بشكل مباشر عبر ارتفاع إنفاقه 300 بالمئة من قيمة منسوب استهلاكه بالنسبة للمواد الصينية التي يستهلكها، فضلاً عن أن ترامب يرغب في كسب بعض الوقت لإيجاد بعض الحلول في حربه التكنولوجية مع شركة هواوي الصينية، لذلك خلال الاتفاق الذي تم توصله بين الجانبين من المرجح أن يكون مؤقتاً ومرحلياً يتراوح بين ستة أشهر إلى عام، ليس فقط لأسباب اقتصادية بل لأسباب سياسية تتعلق بآمال ترامب بأن تقوم الصين بالتأثير في كوريا الديمقراطية للعودة على طاولة المباحثات، وهذا ما ترجم بشكل سريع وواضح في زيارته لمنطقة منزوعة السلاح وللقائه بزعيم كوريا الديمقراطية.
• القمة الأميركية الألمانية التي يمكن وصفها بأنها قمة تصالحية تتعلق بأهداف جيوسياسية أميركية هدفها إعادة احتواء ألمانيا لتخفيف حجم علاقاتها المتنامية مع روسيا، حيث وصف ترامب المستشارة الألمانية بأنها الصديقة العظيمة فهذا الغزل الدبلوماسي جاء بعد توتر في العلاقات تتعلق باختلاف الموقف من اتفاق 5+1 والخلاف حول الضرائب المفروضة على منتجات ألمانيا المصدرة للولايات المتحدة الأميركية.
• القمة الأميركية التركية التي قد تفضي نحو خيارات تتعلق بمصير صفقة «إس400» من أبرز هذه الخيارات عدم إلغاء الصفقة بل تأخير استلامها أو تأخير تفعيلها إرضاء لترامب على الأقل حتى انتهاء الانتخابات الأميركية رغم تأكيد الرئيس التركي رجب اردوغان أن بلاده ستقوم باستلام المنظومة خلال الأيام العشرة الأولى من شهر تموز الحالي، أو نشرها على الحدود الشمالية أو الدول الصديقة لتركيا مثل اذربيجان.
• من القمم المهمة التي حدثت أثناء قمة العشرين هي اجتماع مجموعة بريكس وتبرز أهميتها أنها مجموعة من شأنها أن تؤسس لنظام اقتصادي بديل من القائم، وتناولات ملفات لم تتناولها القمة مثل التركيز على ملف الإرهاب.
وهذه يقودنا نحو تسجيل النقاط التالية:
1. قمة العشرين ركزت على الاقتصاد الرقمي وتأثيره في العمليات التجارية الداخلية والخارجية للدول الأعضاء.
2. التركيز على التنمية المستدامة، في لفتة واضحة على قدرة التأثير الروسي الصيني على فرض رؤيتهما خدمة لمشاريعهما الجيوسياسة التي أعلن عنها في منتدى الحزام والطريق، ومؤتمر سوتشي.
3. تخوف الدول الأعضاء من تعرض الاقتصاد العالمي لركود وتراجع النمو الاقتصادي نتيجة السياسات الأميركية، وهذا ما أشار له بكل صراحة وعلنية رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر بقوله: «إن العلاقات التجارية بين الصين وأميركا صعبة وتسهم في تباطؤ الاقتصاد العالمي».
4. تجاوز إيران الحد المسموح من مخزونها من اليورانيوم المخصب قبل يوم واحد من انعقاد القمة، كان رسالة إيرانية واضحة لدفع الدول الأعضاء لممارسة الضغط على واشنطن لوقف تصعيدها.
5. يلاحظ تناقض سلوك ترامب إزاء الملفات الدولية، فهو حافظ على صيغة التهديد والتصعيد تجاه إيران بقوله «سترون ماذا سنفعل» على حين ابدي مرونةً تجاه الصين الذي أمل بالتوصل معها لاتفاق تاريخي وفق وصفه، وكوريا الديمقراطية الذي قدم تنازلاً من حيث الشكل في المباحثات عندما قام بزيارتها للقاء زعيمها في منطقة منزوعة السلاح والاتفاق في إعادة تشكيل تفاوضي مشترك.
6. يبدو من مخرجات القمة أنها لم تولِ الإرهاب أهمية في التأثير على تراجع النمو الاقتصادي، كما أن معظم لقاءاتها الجانبية صبت اهتمامها بملفات سورية وإيران.
7. تراجع الدور والتأثير الأوروبي الذي بدا واضحاً سواء في انخفاض عدد اللقاءات الجانبية أو بمخرجات البيان الختامي.
8. من الواضح أن قمة اليابان نجحت في إصدار بيانها الختامي رغم هزاله التوافقي ولكنها رحلت جميع ملفاتها وأزماتها نحو قمة الرياض 2020.
9. أخيراً إن العلاقات الثنائية بين القوى العظمى وتحالفات المحاور بغض النظر عن طبيعتها، أصبحت من أكثر المؤثرات التي تشكل وتحدد معالم العلاقات الدولية الحالية وهذا قد ينبئ بتراجع دبلوماسية الإجماع الدولي لمصلحة دبلوماسية الطرفين أو المتعددة الأطراف للتوصل لاتفاق في حل الأزمات أو إيجاد آليات تعاون جديدة في المجالات كافة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock