مقالات وآراء

بعد حلب ليس كما قبلها

لم تعوض سيطرة داعش «المُدَبَرَة» أميركياً على مدينة تدمر السقوط المدوي لأحلام وأوهام «محور العدوان على سورية» في حلب. فالانتصار الميداني الذي حققته سورية وحلفاؤها على أطراف هذا المحور يتجاوز بمفاعيله السياسية المساحات الجغرافية للجزء الشرقي من حلب بحيث يتردد صداه في عواصم محور العدوان، وما تداعي حكومات هذا المحور لمواجهة الخسارة السياسية التي فرضها الانتصار المذكور ومطالباتها المتخبطة لإخراج ما تبقى من الإرهابيين خصوصاً منهم الأجانب بأمان سوى دليل واضح وفاضح على الرعاية المباشرة لدول محور العدوان وإدارتها للعمليات الحربية الإرهابية في حلب خاصة وفي سورية عموماً.

في حديثه الأخير مع «الوطن»، وصّف الرئيس السوري بشار الأسد الانتصار في حلب بـ«المحطة الكبيرة على طريق إنهاء الحرب»، مما يعني أن إنهاء هذه الحرب يتم حصراً من خلال القضاء على الإرهابيين وإعادة بسط سلطة الدولة الشرعية على كامل الأراضي السورية.
قد تبدو المهمة عملياً مستحيلة أو على الأقل تحتاج إلى نفس طويل من الصبر والصمود وإلى قدر كبير من المواجهة والتضحيات، لكن محطة حلب ومعها ريف دمشق ومحطات أخرى سابقة أسقطت المستحيلات قياساً على السقوط السريع الذي كان مؤملاً ومنتظراً للدولة في سورية أسوة بدول عربية أخرى جرفها ما سُمي «الربيع العربي» كتونس ومصر وليبيا، كما أنها حددت مساراً مختلفاً للحرب قائماً على إمساك الجيش العربي السوري وحلفائه بزمام المبادرة والقدرة على التحكم بترتيب الأولويات بدل الانشغال بتعزيز دفاعاته هنا وهناك كلما باغتتهم بعض المجموعات الإرهابية.

انطلاقاً من ذلك، تتقدم محطتا محافظة إدلب ومدينة الباب على ما عداها من المحطات المقبلة المُدرَجة على جدول أعمال التحرير من سلطة الإرهابيين. فالانتقال إلى معركة تحرير إدلب التي تعتبرها قيادات ميدانية أسهل جغرافياً وقتالياً من معركة حلب بسبب توزع قرى تلك المحافظة على نحو يسهل عزلها وبالتالي السيطرة عليها إضافة إلى صِغَرِ مساحة المدينة جغرافياً وقلة تعداد سكانها قياساً بمدينة حلب، ناهيك عن التركيبة العمرانية التاريخية لحلب. لكن الأهم أن إنجاز تحرير إدلب كاملة يسد الطرق والممرات الأساسية للمجموعات الإرهابية من الحدود التركية إلى الداخل السوري.

وتقع في المستوى نفسه من الأهمية الإستراتيجية مدينة الباب، فهذه المدينة التي تشخص نحوها عيون نظام أردوغان كما عيون بعض القوى الانفصالية «الكردية» المدعومة من الولايات المتحدة الأميركية بدأت تشكل نقطة صراع مركزية وتقاطع مصالح بعد حلب لأنها تُمَكِنُ الذي يسيطر عليها من الإمساك بعقدة الاتصال بين الحدود التركية والطرق المتفرعة باتجاه مطار «كويرس» وحلب والرقة مروراً بنهر الفرات، إضافة إلى أنها تستكمل تكوين الشريط الكردي الانفصالي على جانب الحدود التركية في حال سيطرة ما يسمى «قوات سورية الديمقراطية» عليها.

وفي حين تجهد واشنطن لمنع الصدام بين حليفيها المفترضين التركي والكردي باعتبار أن ذلك سيؤدي إلى إضعاف حضورها وبالتالي نفوذها في إدارة الحرب على سورية وفي مواجهة الند الروسي، يتطلع النظام التركي إلى ضوءٍ أصفر روسي يسمح له بالاندفاع نحو مدينة الباب لضمان منع استكمال ذلك الشريط ويحفظ له مقعداً حول طاولة التسوية الإقليمية-الدولية المفترضة لرسم الأحجام المستقبلية لأطراف محاور المواجهة.

في هذا الوقت، تبقى مدينة الرقة في حالة انتظار مميت بعدما تحولت إلى إمارة وهابية-جاهلية وقاعدة لإدارة العمليات الإرهابية في غير بلد، وفي ظل احتمال أن يكون التمدد الداعشي باتجاه تدمر عملية استباقية توسع مساحة انتشاره قتالياً وإشغاله لمساحة أكبر جغرافياً بهدف استنزاف الجيش العربي السوري ومنعه من الانتقال إلى محاصرة الرقة.

بعد محطة حلب ليس كما قبلها، خصوصاً إذا تلازم هذا التحول الكبير مع انتصار موعود على داعش في الموصل العراقية يحصر مساحة تحرك هذا التنظيم ويُنهي دولته المزعومة في العراق والشام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock