مقالات وآراء

بقايا.. هل تدعو للسخرية؟

بقلم إسماعيل مروة
كنت أهم بالنزول من السيارة عندما تقدم إليّ طفل في الحي، وقال لي ببراءة، أعطني مجلات ملونة، اعتذرت بخجل، فقال: طيب غير ملونة وأنا ألونها، وسترى أنني أجيد التلوين، وأخرج من جيب بسيط علبة ألوان من ستة أقلام.. انتابني إحساس بالخزي حقاً، فهو يرى أنني القادر على تلبية طلبه البسيط، لكنني كنت عاجزاً..! والطفل لم يطلب من فراغ، فقد كنت أوزع على الأطفال من الأقرباء والمعارف ما يأتيني من مجلات ودوريات، وكانوا لا يرغبون بها في بداية الأمر، لكنني كررت التجربة، فصارت هواية عندهم أن يأخذوا أسامة وشامة وغيرها من القصص والدوريات الخاصة بالطفولة، والتي تصدر عن وزارة الثقافة، بعضها جاوز عمره ستين عاماً منذ العدد الأول.. وفي جلساتنا الخاصة يتحدث كثير من المثقفين عن ضرورة إيقاف الدوريات، فهي ملونة ومكلفة، ولا تجد قارئاً! وكدت أميل إلى آرائهم لولا هذا الطفل الذي تركني آسفاً، وربما تحسّر على من يراه مثقفاً، ولا يملك مجلة ملونة!
ووجدت لدي رغبة ملحة في أن أجتمع بالأصدقاء لأسألهم: إن كنتم ترغبون بإيقاف دورية لطفل، فهل سألتم أنفسكم كيف تعلمتم وتثقفتم؟ وأسأل المعنيين: إذا لم تجدوا قطاع الأطفال أهلاً. فمن هو الأهل؟
فاجعة أن يغيب كتاب الطفل، وكارثة أن تتوقف مجلة طفل، فليتوقف نشر الشعر وسواه، ولنستمر في العناية بدورية الطفل، ولنسخر إمكاناتنا للطفولة وخدمتها، ولنرفع مستوى التعامل مع الطفل في عصر التقانة.. علينا ألا نتركهم للتقانة وحدها، فهي غير قادرة على التثقيف الحقيقي والعميق! وإن كانت بلداننا تباهي بمثقفين ومبدعين من نزار قباني إلى بدوي الجبل وأدونيس، وسواهم كثير، فقد كانوا مبدعين لأن طفولتهم، وإن تلونت ببعض الشقاء والحاجة عند بعضهم، إلا أنها كانت غزيرة بالثقافة، وبالدوريات، وبالقصص والرسوم.
حتى لا أطلب من أحد دورية للطفل الذي سألني توجهت إلى إحدى المكتبات لشراء قصة مناسبة، فوجدت الألعاب تطغى، ورأيت بعض القصص المركونة جانباً، وشكرت الله أنني لم ألمس واحدة، فالعامل اقترب مني، وبدأ يعدد لي أثمانها التي تبدأ بالآلاف! ما كنا نشتريه بعشرة قروش هو اليوم بالآلاف.. ويسألون عن ثقافة الطفل!! الهيئات الرسمية تنازلت عن دورها، فاتحاد الكتاب لا يقدم شيئاً له قيمة للطفل، ووزارة الثقافة تبذل جهداً مقونناً بموظفين يكونون غير قادرين على الفعل في مواجهة الورق والألوان! والقطاع الخاص يبحث عن العوائد وهذا حقه!
تمنيت لو أن معرض دمشق الدولي يفتح أبوابه كما كان، ولو أن المراكز الثقافية لروسيا والصين تعود لسيرتها الأولى، فحين كنا أطفالاً، كنا في المعرض، وفي المراكز الثقافية، وفي بعض المكتبات الخاصة المدعومة من المنظومة الاشتراكية نحمل الدوريات الملونة الفاخرة بالعشرات، وتحولت لعبة الألوان إلى هواية، ثم إلى قراءة، ثم إلى عادة وسلوك، وإن جاز لي أن أعد نفسي قارئاً، وأن أنتمي إلى حاشية المثقفين، فإنني أعترف بأن ما أملكه تشكل في ذلك الوقت البعيد، وقد كان الكبار يسخرون مني ومن اهتماماتي، كما هو الحال اليوم حين لا يرى الكبار الأطفال ورغائبهم!
لا تزال لدينا بقايا يمكن أن تنهض بالجيل الجديد، هل نعمل على ضخ الروح فيها أم سنعمد إلى السخرية، ونتركهم أسيرين لنفق طويل غير محدد بمجلة ملونة تهذب ميولهم؟!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock