بين السياسي والإعلامي.. الكلمة مسؤولية في زمن الأزمات

في خضم الأزمات السياسية والاجتماعية التي تمر بها المجتمعات، يبرز الخطاب السياسي كعنصر حاسم إما في تهدئة الشارع واحتواء التوتر، أو في تأجيج المشاعر ودفع الأمور نحو الانفجار، وفي هذا السياق تتعاظم مسؤولية السياسيين، كما تتجه الأنظار نحو وسائل الإعلام التي تتحمل بدورها واجباً مهنياً وأخلاقياً بتغطية الأحداث بشكل متزن، يضمن حق المواطن في المعلومة من دون الانجرار وراء الإثارة أو التضليل.
الخطاب السياسي هو انعكاس لرؤية الفاعلين السياسيين تجاه القضايا الراهنة، وهو أداة تأثير قوية على الرأي العام، ففي الأوقات العادية قد يتّسم هذا الخطاب بالحدة أو المنافسة، لكن في زمن الأزمات يصبح الأمر أكثر حساسية، فكل كلمة تُقال يمكن أن تُترجم في الشارع غضباً أو أملاً، عزماً أو فوضى.
لقد أثبتت التجارب، محلياً ودولياً، أن الخطاب المتزن، الذي يدعو إلى الوحدة والتماسك، قادر على تهدئة النفوس وتوجيه النقاش نحو الحلول، في المقابل ساهمت بعض الخطابات المتشنجة أو الشعبوية في تعميق الاستقطاب وزرع الشك بين مكونات المجتمع، ما جعل الأزمات تتفاقم بدل أن تُحل.
السياسي ليس مجرد متحدث باسم حزبه أو تياره، بل هو فاعل محوري في صناعة القرار وتوجيه المزاج العام، ومن هذا المنطلق فإن مسؤولية السياسيين في الأزمات تقتضي تغليب المصلحة الوطنية على أي حسابات أخرى ضيقة، واعتماد لغة مسؤولة تَزرع الثقة لا الخوف، وتحثّ على الحوار لا التصادم.
وتَتطلّب اللحظات الحرجة أن يرتقي السياسيون إلى مستوى الحدث، وأن يدركوا أن الانفعال أو الخطابات الحماسية قد تُفهم على أنها دعوة إلى التحرك في الشارع، ما قد يُفضي إلى الفوضى.. إن إظهار القيادة في الأزمات لا يعني إطلاق التصريحات الرنانة، بل يتطلب الحكمة، وضبط النفس، والتواصل الشفاف مع المواطنين.
ولا يقلّ دور الإعلام أهمية في هذه السياقات، بل إنه غالباً ما يكون الوسيلة التي يُنقل عبرها الخطاب السياسي إلى الجمهور، ولذلك فإن التزام الإعلاميين بالحياد والموضوعية والدقة يُصبح أساسياً، والإعلام حين يُدار بمهنية، يُمكنه أن يكون جسراً للتفاهم، ومصدراً للمعلومة الموثوقة، ومنبراً للتنوير، أما حين ينجرف خلف الإثارة أو يخضع لأجندات خفية، فإنه يُحوّل الأزمة إلى فتنة.
هنا تبرز الحاجة الملحة إلى الالتزام بميثاق الشرف الإعلامي الذي يحدد ضوابط تغطية الأزمات، ويحمي المواطن من التضليل، ويضمن احترام القيم الإنسانية، والذي يتجنب التحريض، واحترام الخصوصيات، والتثبت من المعلومات، والامتناع عن استغلال الأزمات لأهداف تجارية أو سياسية.
إن التحديات المعاصرة، من أزمات اقتصادية واجتماعية، تفرض على الجميع — سياسيين وإعلاميين — مراجعة الأدوات والخطابات المعتمدة، ولا يمكن تهدئة الشارع واستعادة الثقة بالمؤسسات إلا من خلال خطاب عقلاني جامع، ومبني على الواقعية والتشاركية، كما أن بناء إعلام مهني مستقل، يشتغل وفق ضوابط أخلاقية، يُعد شرطاً ضرورياً لأي مشروع إصلاحي أو مجتمعي.
في زمن الأزمات، تصبح الكلمة مسؤولية، والموقف السياسي أمانة، والمعلومة أداة بناء أو هدم. وبين السياسيين والإعلاميين هناك خيط رفيع من المسؤولية المشتركة، إما أن يكونوا شركاء في التهدئة والبناء، أو سبباً بالتصعيد والشتات، ويبقى الأمل معقوداً على وعي الشعب، وحكمة القادة، ونزاهة الإعلام، لصناعة مستقبل أكثر اتزاناً وعدالةً.
الوطن