بين الفنان والإعلامي.. صراع الأجور والمكانة في عالم التقديم التلفزيوني

في السنوات الأخيرة، أصبح دخول الفنانين إلى مجال التقديم التلفزيوني ظاهرة ملحوظة تثير العديد من التساؤلات في الوسط الإعلامي. فلم يعد غريباً أن نجد فناناً مشهوراً يتصدر برنامجاً تلفزيونياً.
هذه الظاهرة لم تعد مجرد استثناء، بل أصبحت جزءاً من الواقع الإعلامي في معظم القنوات الفضائية. والأغرب أن هذا التحول يتزامن مع تراجع فرص الإعلاميين المحترفين في الحصول على فرص مماثلة.
نجاحات لافتة
أثبت الكثير من الفنانين الذين انتقلوا إلى تقديم البرامج التلفزيونية أنهم قادرون على النجاح والتفوق في هذا المجال. واستطاعوا الجمع بين مهاراتهم الفنية والشخصية الجذابة مع الخبرات الإعلامية التي اكتسبوها مع مرور الوقت، ما جعلهم يحققون نجاحات لافتة. فالتقديم التلفزيوني لا يعتمد فقط على الظهور أمام الكاميرا، بل يتطلب قدرة على إدارة الحوار، التفاعل مع الضيوف، وفهم طبيعة المواضيع المطروحة.
العديد من هؤلاء المقدمين استطاعوا خلق توازن بين الترفيه والاحترافية، وهو ما جعل برامجهم تحظى بشعبية كبيرة وتحقيق نسب مشاهدة عالية.
ولا شك أن الشهرة التي يتمتع بها الفنان هي أحد الأسباب الرئيسة التي تجعل القنوات التلفزيونية تسعى لاستقطابهم كمقدمي برامج. فعندما يظهر فنان معروف في برنامج، فإنه يجذب جمهوراً كبيراً بفضل قاعدة المعجبين التي يمتلكها. ما يسهم بشكل كبير في زيادة نسب المشاهدة، وهو أمر في غاية الأهمية بالنسبة للقنوات التي تهدف إلى تحقيق أعلى درجات المشاهدة والإعلانات.
الفنان مقابل الإعلامي
يعتبر الفارق الكبير في الأجور بين الفنانين والإعلاميين من الظواهر اللافتة في هذه الظاهرة. فالفنان، يحصل على أجور مرتفعة للغاية مقابل تقديم برامج تلفزيونية، بينما الإعلامي المحترف، الذي قضى سنوات في بناء مهاراته الإعلامية، قد يحصل على أجور أقل بكثير.
هذا التفاوت يثير الكثير من الجدل في الوسط الإعلامي، حيث يرى البعض أن الإعلاميين الذين يمتلكون المهارات المطلوبة للتقديم يجب أن يحصلوا على فرص متساوية، وأن الميزة الوحيدة التي تتيح للفنانين دخول هذا المجال هي شهرتهم.
من جهة أخرى، يعترض البعض على فكرة تفضيل الفنانين في برامج التقديم، مؤكدين أن الإعلاميين قد لا يحصلون على الفرص نفسها رغم أنهم يمتلكون الخبرات اللازمة. فالمؤسسات الإعلامية في العديد من الأحيان تفضل استثمار شهرة الفنانين من أجل جذب أكبر عدد من المشاهدين، من دون النظر إلى المهارات الحقيقية التي يحتاجها المقدم.
في الوقت نفسه، فإن الفنان يكسب أجوراً ضخمة في التمثيل قد تصل إلى أكثر من ألف ضعف مما يحصل عليه الإعلاميون في مجالهم.
حائط مسدود
الغريب في الأمر أن هذه الظاهرة تفتح المجال للفنانين لدخول الإعلام بكل يسر، بينما يكون الإعلامي، رغم موهبته أحياناً، أمام حائط مسدود إذا قرر التوجه للتمثيل أو العمل في المجال الفني. فعلى الرغم من أن الإعلاميين يمتلكون خلفية في التعبير والظهور أمام الجمهور، إلا أن الفرص في هذا المجال تظل محصورة في الفنانين فقط.
وعندما يتجه إعلامي للعمل في التمثيل، قد لا يحصل على فرصة واحدة، لا من المخرجين ولا من شركات الإنتاج.
وإذا نجح الإعلامي بدخول مجال التمثيل، فبالتأكيد سيشعر العديد من الممثلين بشيء من الدهشة وربما الاستغراب. كيف لا، وهم من خاضوا سنوات من التدريب والمثابرة ليتقنوا فنون التمثيل، على حين أن الإعلامي الذي لطالما اعتاد الوقوف أمام الكاميرا من دون الحاجة لتعلم تقنيات التمثيل قد يحصل فجأة على فرصة لاحتلال المساحات نفسها.
قد يتقبل بعض الممثلين الفكرة بروح رياضية ويعتبرونها مجرد توسيع للآفاق أو فرصة لتنوع الأدوار في مجالي الفن والإعلام. أما البعض الآخر، فقد يجدون أن دخول الإعلاميين إلى هذا المجال بمثابة اختراق لمكانهم الخاص.
ومن جهة أخرى، قد يتعامل البعض مع الأمر بعقلية “الباب مفتوح للجميع”، متأملين أن يثبت الإعلامي جدارته في هذا المجال كما أثبت نفسه في مجاله، ولكن في النهاية، سيظل التنافس على الأدوار مجالاً مملوءاً بالدهشة، والطرافة، وحتى بعض الحساسيات.
مسار الإعلام
وأخيراً، يبدو أن ظاهرة دخول الفنانين إلى مجال التقديم التلفزيوني ستستمر في النمو في المستقبل القريب، خاصة مع سعي القنوات للحصول على أعلى نسب مشاهدة. ومع ذلك، يبقى السؤال الأهم: هل ستظل هذه الظاهرة محصورة في الفنانين أم أن الإعلاميين سيحصلون على الفرص المناسبة في عالمهم؟
إن تحقيق التوازن بين استثمار الشهرة الفنية وتقدير المهارات الإعلامية الحقيقية هو ما سيحدد مسار الإعلام في المستقبل.
وائل العدس