اقتصادالعناوين الرئيسية

تبديل العملة عملية معقدة بآلية بسيطة

خلف بريق الأوراق النقدية الجديدة، تبرز تعقيدات لوجستية وتحديات هيكلية تضع السياسة النقدية أمام اختبار “الواقعية”. فبين محاولات المصرف المركزي لإنجاح آليته في استبدال العملة عبر القنوات المرخصة، وبين احتياجات قطاع الأعمال للسيولة النقدية تلوح في الأفق مخاوف من نشوء “سوق بديلة” قد تعوق انسيابية الانتقال وتطيل أمد الازدواجية النقدية.

أكد أستاذ الاقتصاد في جامعة حلب عبد الحميد صباغ أن الآلية المعلنة للمصرف المركزي تعكس محاولة لتنظيم عملية معقدة وحساسة في ظل ظروف اقتصادية غير مستقرة. وأن التركيز على القنوات المرخصة (المصارف وشركات الصرافة المرخصة) يهدف إلى الحفاظ على قدر من السيطرة والسيادة النقدية، وذلك بهدف معالجة الفجوة بين سعر الصرف الرسمي وسعره في السوق الموازية (السوداء)، مضيفاً: ومع ذلك، تبرز تحديات عملية كبيرة تتعلق بالجدوى والشمولية والآثار الاقتصادية.

ويرى أستاذ الاقتصاد أن سقف الاستبدال اليومي (75 مليون ليرة سورية) عن طريق شركات الصرافة لا التناسب مع احتياجات قطاع الأعمال بشكل عام. وهذا السقف (ما يعادل بضعة آلاف من الدولارات حسب سعر السوق الموازي) قد يكون غير كافٍ لاحتياجات العديد من المنشآت الصغيرة والمتوسطة، خاصة تلك التي تعتمد على تعاملات نقدية كبيرة أو تحتاج لتمويل مشتريات أو رواتب. وقد يضطرها للجوء إلى أساليب أخرى مثل تجميع هويات شخصية أو لقنوات غير رسمية، ما يعقد عملياتها ويزيد التكاليف.

كما أن هذا السقف المنخفض نسبياً (بالنسبة للشركات) سيبطئ من دون شك من وتيرة سحب العملة القديمة من التداول، ويطيل أمد الفترة الانتقالية التي تتداول فيها العملتان. هذا قد يخلق ارتباكاً ويقلل من المصداقية الأولية للعملة الجديدة.

أما عن حظر الاستبدال خارج القنوات المرخصة و(السوق الموازية)، قال صباغ: إن نشوء سوق موازية أمر شبه مؤكد، خاصة في المناطق البعيدة أو التي تعاني من شح في فروع المصارف وشركات الصرافة المرخصة، إذ ستنشأ حاجة ملحة للسوق الموازية. وستقدم هذه السوق خدماتها بمرونة أكثر (من دون حدود يومية صارمة ربما) ولكن بمخاطر أكبر (غش، تزوير) وبتكاليف أعلى (فروق أسعار).

وتوقع صباغ أن يحاول المصرف المركزي القيام بإجراءات للحد من هذه المخاطر عبر  التشديد الرقابي على الشركات المرخصة لمنع تسرب العملة القديمة لها عبر قنوات غير رسمية، و الإبلاغ عن العمليات غير المرخصة، ومحاولة ملاحقتها، لكن فاعلية ذلك قد تكون محدودة في المناطق البعيدة أو خارج سيطرة الدولة، إلى جانب العمل على  التوسع في نقاط الخدمة، ربما من خلال فتح مكاتب مؤقتة أو تفعيل فروع المصارف الحكومية في المناطق النائية، لكن ذلك يتطلب وقتاً وموارد، والقبول الضمني، قد يضطر لقبول وجود محدود للسوق الموازية كشر لا بد منه في بعض المناطق، مع محاولة احتواء أثره.

وبالنسبة لتسليم الحوالات الخارجية بالعملة الجديدة وتأثيرها على (الدولرة)، رأى أستاذ الاقتصاد أنها   تعتبر خطوة إيجابية نظرياً: فتسليم الحوالات بالعملة الجديدة حصراً يمكن أن يسهم في نقاط أهمها زيادة الطلب على العملة الجديدة وتعزيز تداولها، دفع جزء من المغتربين نحو القنوات الرسمية إذا شعروا بثقة أكبر في العملة الجديدة واستقرارها، وتقليل حجم الدولار المتداول في بعض المعاملات الداخلية إذا ارتبطت الحوالات (مصدر رئيسي للعملة الصعبة) بالليرة الجديدة.

وعن التحديات والعوامل المحددة للنجاح أوجزها بالثقة، مؤكداً ضرورة أن تكون هناك ثقة كافية بالعملة الجديدة ليقبل المغتربون تحويل مدخراتهم لها؟ هذا مرتبط بسياسات اقتصادية شاملة وبيئة مستقرة، وسعر الصرف فإذا كان سعر الصرف الرسمي للحوالات بعيداً عن السوق الموازي، سيستمر التفاف المغتربين عبر قنوات غير رسمية، مشدداً على ضرورة توافر سيولة كافية من العملة الجديدة لتلبية طلبات الصرف، كي لا يلجأ المغتربون إلى إدخال دولارات نقدية أو التحويل عبر أنظمة غير رسمية إذا وجدوا أن العملة الجديدة تفقد قيمتها بسرعة.

وختم صباغ بالقول: إن الآلية تظهر نية لضبط العملية، لكن نجاحها مرهون بعوامل تتجاوز الإجراءات الفنية كالمصداقية الكلية للسياسة النقدية والاقتصادية ومعالجة الأسباب الهيكلية للتضخم وانهيار قيمة العملة، توفير بيئة آمنة ومستقرة، مرونة أكبر في التطبيق لتلبية احتياجات القطاعات الإنتاجية وتبسيط الإجراءات على المواطن العادي.

ومن دون معالجة هذه الجوانب، قد تُنتج آثاراً سلبية غير مقصودة، كتعميق الفجوة بين القنوات الرسمية والموازية، أو إعاقة النشاط الاقتصادي الحقيقي.

محمد راكان مصطفى

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock