مقالات وآراء

ترامب.. «أزمة» نخبوية دولية.. وسعادة سورية

بعد بريطانيا، وخروجها المفاجئ وغير المتوقع من الاتحاد الأوروبي، ها هي الولايات المتحدة الأميركية تفاجئ بدورها العالم وتنصب رجل الأعمال دونالد ترامب رئيساً للبلاد، وسط أزمة «نخبوية» عبر عنها الشارع الأميركي برفضه كلا المرشحين ترامب وهيلاري كلينتون مفضلا التطرّف على التلاعب، والصراحة على الكذب والخداع.
الأزمة ليست فقط في وصول هؤلاء المرشحين للسباق النهائي إلى البيت الأبيض، وإنما تكمن في المسافات التي باتت تفصل النخبة عن الشارع، إذ سقطت كل التوقعات واستطلاعات الرأي ومعها كبرى الصحف الأميركية وقنوات التلفزة التي حتى دقائق قبل إعلان النتائج، كانت تبشر بفوز كلينتون، بل إن الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند، على سبيل المثال، وعلى ذمة صحيفة الفيغارو، كان قد جهز رسالة تهنئة واحدة للمرشحة كلينتون مستبعداً أي فرضية بفوز ترامب!
إذاً ما الذي يجري في الشارع، إن كان في بريطانيا أو في الولايات المتحدة الأميركية؟
الواضح أن كلا الشارعين بات أكثر وعياً لخداع سياسييه وكذبهم وحروبهم المدمرة وارتهانهم للمال الخليجي وانحنائهم أمام المشيخات المتخلفة الرجعية و«غض النظر» الذي مارسوه تجاه سياسات «نشر الإسلام الوهابي» في مساجدهم وضواحيهم، والسماح لآل سعود وآل ثاني وغيرهم بمد تنظيمات إرهابية بالمال والسلاح، فيما كانوا يعتبرونه «استثماراً» في المشاريع الأميركية الإسرائيلية لتفتيت المنطقة، فتبين أنه استثمار خاطئ انقلب عليهم وعلى ناخبيهم الذين قرروا معاقبة ساستهم ومنعهم من ارتكاب مزيد من الجرائم والقتل والتدمير.
وماذا بالنسبة لسورية؟
سؤال يردده كل الإعلام بعد دقائق من فوز ترامب، سؤال أجاب عنه المرشح الجمهوري طوال فترة ترشيحه، فالرئيس المنتخب للولايات المتحدة ليس لديه أطماع في سورية، ولا في المنطقة، ولا يرى أن مشاريع مشيخات الخليج بتدمير سورية مجدية، هو يريد مثل أغلبية السوريين القضاء على داعش والتنظيمات الإرهابية المتطرفة، وقد يضع يده بيد روسيا وسورية لإنهاء واحدة من أبشع جرائم القرن المتمثّلة في ما صنعته الإدارة الأميركية السابقة مع حلفائها السعوديين والقطريين والأتراك، وحماية حدود بلاده وتحسين الاقتصاد المترهل، وهذه مواقف في مجملها لمصلحة سورية، لذلك كان لابد من ملاحظة الفرح الذي ارتسم على وجوه معظم السوريين الذين قضى قسم كبير منهم ليلته يتابع مستجدات عمليات فرز الأصوات أما الباقون فاستيقظوا على النتيجة التي كانوا يأملونها لكن لا يتوقعونها، على خلاف معارضات الخارج ومسلحيهم الذين أصيبوا في معظمهم بالإحباط حالهم حال مرشحتهم كلينتون.
لكن ترامب رجل أعمال ورجل صفقات، وما قبل الانتخابات قد لا يكون مثل بعده؟.. سؤال آخر يردده سوريون وغير سوريين من الذين لا يتوقعون تغيراً جوهرياً في السياسة الخارجية الأميركية تجاه سورية؟
لهؤلاء نقول: إن ترامب لا يمكن أن يتسلم الحكم ويستمر فيه دون إحداث تغيير كبير في السياسة الخارجية لبلاده، وعلينا أن نتذكر أنه بات من الصعب خداع الشعوب من جديد، وأن جمهور ترامب البالغ أكثر من 50 مليون ناخب قد يعاقبه أيضاً في حال لم ينفذ تعهداته الداخلية والخارجية، فالوقت الآن لحماية الحدود ليس في الولايات المتحدة فقط، بل في بريطانيا كما شهدنا سابقاً، وفي عدة دول أوروبية حيث بات اليمين المتطرف يستحوذ على مزيد من الناخبين، وهذا نتيجة السياسات الخاطئة ودعم داعش والتنظيمات الأوروبية وموجات الهجرة الكبيرة من الشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا تجاه الدول الأكثر استقراراً.
علينا أن نتوقع أزمات اجتماعية ونخبوية في العديد من الدول التي لم تعد شعوبها تريد سوى الاستقرار والأمن والأمان، وتريد من ساستها الكف عن التدخل في شؤون الآخرين والالتفات إلى القضايا الداخلية التي تستحوذ على اهتمام الناخب غير المكترث لصداقة المشايخ والأمراء والباحث عن مستقبل آمن له ولأطفاله وأحفاده.

وضاح عبد ربه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock