مقالات وآراء

ترامب: ورقة رابحة، أم منافق جديد؟

شكل فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية مفاجأة من العيار الثقيل، لا بل إن البعض بالغ بالأمر ليصف ذلك بالزلزال وآخرون تحدثوا عن ثورة أميركية، وكثرت التحليلات، والتقديرات عن التحولات المحتملة، والانعطافات الممكنة- حتى خلنا أن نبياً جديداً هبط علينا ليهدينا من جديد على طريقة «داعش»، و«النصرة».
أنا هنا لا أقلل من أهمية ما حدث، ولكنني أحاول كالعادة أن أقدم قراءة هادئة أكثر بعد فورة انتصار ترامب على هيلاري كلينتون، والذي على ما يبدو قررته النخبة الحاكمة الأميركية على الرغم من وجود مؤيدين كثر لكلينتون التي ظهر أنها لن تكون ورقة رابحة مثل ترامب، فتحولت أصوات كبار الناخبين له بدلاً منها- لأنه على ما يبدو تبين أنها ستكون حصاناً خاسراً، وأعرج للمرحلة القادمة المهمة، والحساسة.
ما يهمني من هذا الحديث هو بلدي سورية، وانعكاسات ذلك على الحرب العدوانية- الإرهابية التي تُخاض عليها، وعلى الرغم من أن كثيرين من السوريين تفاءلوا مع فوز ترامب، لكن كلام الرئيس بشار الأسد للتلفزيون البرتغالي كان حذراً إذ أشار «إلى أن الإدارة الأميركية لا تتعلق بالرئيس وحده بل تتعلق بقوى مختلفة داخل هذه الإدارة، ومجموعات الضغط المختلفة التي ستؤثر في الرئيس»، كما تساءل بشأن استعداد ترامب للعمل مع سورية في محاربة «داعش» بالقول: «هذا واعد، لكن هل يستطيع تحقيق ذلك؟ هل يستطيع أن يمضي في ذلك الاتجاه؟ ماذا عن القوى المهيمنة داخل الإدارة؟ ماذا عن وسائل الإعلام التي كانت ضده؟ وكيف سيستطيع التعامل معها؟ بالنسبة لنا لا يزال موضع شك ما إذا كان سيتمكن من الوفاء بوعوده أم لا؟ نحن حذرون جداً في الحكم عليه وخصوصاً أنه لم يشغل أي منصب سياسي من قبل، ولا نستطيع أن نحكم على ما سيفعله؟»، وتابع: «لا نعلق آمالاً كثيرة على الإدارات المتغيرة لأن هذا هو الحال منذ أكثر من خمسين عاماً»!
أنا أتفق تماماً مع كلام الرئيس الأسد في الحذر الشديد، وفي عدم تعليق الآمال الكبيرة على الإدارات المتغيرة، على العكس من البعض الذين بالغوا كثيراً في الأماني، والأحلام، وبهدف تأكيد وجهة نظر الرئيس الأسد هذه، قمت حين إعداد هذا المقال بالغوص في تاريخ الرؤساء الأميركان لمعرفة ماذا قالوا في فترة الانتخابات، ثم ماذا فعلوا بعد وصولهم إلى البيت الأبيض، والحقيقة أن أطناناً من الأكاذيب يمكن جمعها من التاريخ الأميركي، ومن تاريخ رؤساء الولايات المتحدة المملوء بالأكاذيب على شعبهم، وعلى شعوب العالم.
يقول الكاتب الأميركي «لاري شوارتز» في موقع «إلتر- نت» إن الكذابين على ما يبدو هم شر لابد منه، وإن أميركا مبنية على أسطورة الأخلاق، والصدق، فقد كان جورج واشنطن يقول: «أنا لا أستطيع أن أخبر كذبة»- أما إبراهام لينكولين- فكان اسمه الحركي «المهذب- الأخلاقي»، لكن «شوارتز» يصف الأساطير أنها مبنية على أنصاف الحقائق، وأنه حينما حكم رئيس أميركي «وَعَدَ ألا يكذب علينا» مثل جيمي كارتر وكثيرون اعتبروه غير فعّال، وسقط عام 1980.
ويتحدث في مقاله عن أكبر سبعة رؤساء كذابين في تاريخ الرئاسة الأميركية وهم حسب رأيه:
– جيمس بولك (1845- 1849): وهو الرئيس الذي ادعى أن المكسيك اعتدت على الولايات المتحدة في مرحلة كانت أميركا تعمل لضم كاليفورنيا، ونيومكسيكو، بعد انضمام تكساس، حيث عمل بولك على رشوة المكسيك بالمال لشراء أراض منها، لكن الأخيرة رفضت، فأرسل جنوداً أميركان ليعبروا الحدود المختلف عليها، فرد الجنود المكسيكيون بإطلاق النار على الأميركان وقتلوا منهم، فما كان من الرئيس الأميركي إلا أن طلب من الكونغرس تفويضه لرد العدوان المكسيكي، وتسبب كذبه في وقوع حرب بين أميركا- والمكسيك.
– إبراهيم لينكولن (1861- 1865): كانت مرحلته- مرحلة التمييز العنصري ضد السود، وكان يطلق تصريحات عن التغيير، وقال أشياء كثيرة من أجل أن يُنتخب، منها: «أنا لا أدعم أبداً، ولن أدعم بأي طريقة المساواة الاجتماعية والسياسية بين البيض والسود، هناك فوارق فيزيولوجية بينهما، وأنا أؤمن بتفوق البيض»، بعد ذلك قال في مناسبة أخرى: «أنا أؤمن بالإعلان الذي يقول إن كل الرجال خلقوا متساوين، وهذا مبدأ أساسي عظيم وضعته مؤسساتنا الحرة، وإن استعباد السود يخرق هذا المبدأ»! هل ترون شبهاً هنا مع ترامب؟
– فرانكلين روزفلت (1933- 1945): في عام 1940 كان روزفلت يسعى لفترة رئاسية ثالثة في حادثة غير مسبوقة، ويعرف أن هناك رأياً عاماً سائداً لا يدعم التورط في الحروب في أوروبا، وآسيا، فقدم نفسه كمرشح سلام- حيث خاطب الأميركان بالقول: «لقد قلت ذلك من قبل لكن يجب أن أقول هذا مرة ثانية، وثالثة: أبناؤكم لن يرسلوا إلى أي حروب في الخارج» ثم كرر الكلام في مكان آخر: «يقول رئيسكم: هذا البلد لن يذهب للحرب».
لقد كانت كلماته انتخابية وكان يكذب، ويعرف أن كلامه شيء، وأفعاله سوف تقود لحرب على النازيين، واليابان، إذ كان يجتمع سراً مع تشرشل لتقديم الدعم له، وبعد انتخابه عام 1941، دعم علناً بريطانيا ضد الألمان، وجمد الأصول اليابانية، وقطع النفط عن اليابان، وربما استفزها ما أدى لعملية «بيرل هاربور» الشهيرة، وردت أميركا بقنبلتين ذريتين في هيروشيما وناغازاكي..
– جون كينيدي (1961- 1963): قال قبل أزمة خليج الخنازير التالي: «لقد قلت سابقاً، وأكرر الآن- إنه لا خطط لدى الولايات المتحدة للتدخل العسكري في كوبا»، وبعد عدة أشهر قام كوبيون مدعومون من الـ«سي آي إيه» بالاعتداء على كوبا- فتم القضاء عليهم من كاسترو وجنوده، وهو ما أضعف كينيدي، وشجع السوفييت على بناء قواعد لهم في كوبا، وقاد لاحقاً لأزمة الصواريخ الشهيرة مع موسكو.
إثر اغتيال كينيدي جاء نائبه «ليندون جونسون» (1963- 1965): الذي ادعى في خطاب للشعب الأميركي على الهواء مباشرة في آب 1964 أنه تمت مهاجمة سفينتين أميركيتين في خليج «تونكين» في فيتنام الشمالية الشيوعية، وقد أمر بالرد على الهجوم بـ64 غارة جوية دمر خلالها مناجم الفحم، وآبار النفط، والبحرية الفيتنامية، وأتبع ذلك بقرار من الكونغرس يُعرف باسم «قرار خليج تونكين» فوض بموجبه الرئيس باتخاذ كل الإجراءات الضرورية للرد على الهجوم المسلح على الجيش الأميركي.
منذ تلك الحادثة بدأ العدوان الأميركي على فيتنام وأدى لمقتل أكثر من 60 ألف جندي أميركي، وجرح 150 ألفاً، إضافة إلى مقتل ملايين الفيتناميين، ومن لاوس، وكمبوديا.
وعلى الرغم من وعد جونسون للأميركان بالقول: «نحن لن نرسل شباناً أميركيين بعيداً من وطنهم تسعة أو عشرة آلاف ميل، للقيام بما يجب على الشباب الآسيويين أن يفعلوه بأنفسهم»، إلا أن هذه الحرب سُخر لها 3.403.000 ملايين موظف، ودامت حتى عام 1975، وقصة الهجوم على السفن الأميركية كانت مفبركة، وكاذبة- إذ قال جونسون لاحقاً: «إنه حسب ما أعرف فإن بحريتنا كانت تطلق النار على الحيتان هناك». ولكن الأهداف الحقيقية هي مواجهة المد الشيوعي، والنفوذ السوفييتي، والصيني هناك.
– رونالد ريغان (1981- 1989): كذب في قضية (إيران كونترا) حينما أنكر القضية، وحاول التملص من أن أميركا كانت ترسل أسلحة لدولة معادية هي إيران، وتمول بعوائد الأسلحة حركة تمرد ضد حكومة شرعية في نيكاراغوا، ليعترف لاحقاً بالقول: «قبل عدة أشهر أخبرت الشعب الأميركي أنني لم أتاجر بالأسلحة مقابل الرهائن… قلبي، ونياتي الطيبة لا تزال تخبرني أن هذه هي الحقيقة… لكن الحقائق، والأدلة تقول إن الأمر ليس كذلك»، وهو ما عنى أنه كان يكذب.
قبل ريغان- كذب ريتشارد نيكسون (1969- 1973) بشأن فضيحة ووترغيت، حينما أكد بشكل قاطع أنه لا أحد في البيت الأبيض، أو في الإدارة كان متورطاً في هذه الحادثة الشاذة جداً، ليتبين بالتحقيق أن كبار موظفي إدارته كانوا متورطين في القضية، وأن القضية نوقشت 35 مرة معه قبل تنفيذها- ليستقيل لاحقاً على خلفية كذبه.
– بيل كلينتون (1993- 2001): كذب في قضية مونيكا لوينسكي إذ قال: «لم يكن لدي أي علاقة جنسية مع تلك المرأة» ليعترف لاحقاً في النهاية: «كان لي علاقة مع الآنسة لوينسكي لكنها لم تكن مناسبة، في الحقيقة كان ذلك خطأ، لقد ضللت الشعب، بما في ذلك زوجتي»، وإذا أضفنا لكذبته البيضاء هذه، كذبة تجاه العدوان على يوغسلافيا، وتزوير الحقائق، واتهام مليوسوفيتش بجرائم الحرب التي برأته المحكمة الدولية منها بعد وفاته نكتشف أنه مثل سابقيه من الرؤساء.
– جورج بوش الابن (2001- 2009): «أقسم بالله العظيم أن المعلومات الاستخبارية التي بحوزته لا تترك مجالاً للشك أن النظام العراقي يستمر في امتلاك وإخفاء بعض من أكثر الأسلحة فتكاً، وأكد أنه تم العثور على أسلحة الدمار الشامل، وعلى مخابر بيولوجية» وبقية القصة يعرفها الجميع… إذ نشرت كتب في أميركا عن 935 كذبة لجورج بوش الابن.
– باراك أوباما الذي تفاءل كثيرون حين انتخابه كأسود، وأطلق عليه البعض «أبا حسين»، جاء على خلفية إخراج أميركا من العراق وكرر عام 2012 من أجل إعادة انتخابه أنه سيخرج من العراق ثم أعاد عام 2014 إرسال جنود مرة أخرى للعراق لمحاربة «داعش» وقال: «إن إخراج الجنود من العراق لم يكن قراري»!
وإذا تابعنا كذب أوباما فإن «لاري شوارتز» يعتبره من الوزن الخفيف في الكذب، على الرغم من أن الصحفي الأميركي تيم براون نشر في 11 أيار 2015 مقالاً عن 1063 مثالاً موثقاً عن كذب باراك أوباما.
البحث في الكذب الأميركي ضروري للمعرفة، وعدم الانجرار وراء العواطف، وخاصة أن ما ذكرته هو غيض من فيض، ووحدها الحرب العدوانية- الإجرامية ضد سورية مملوءة بالأكاذيب، والتضليل وقد نحتاج لمجلدات للكتابة عنها.
لذلك دعونا نكن حذرين جداً بشأن ترامب، إذ إن كلام الانتخابات تمحوه أفعال البيت الأبيض، وهذا ما عرضته أعلاه، ومعه حق الرئيس بشار الأسد حينما قال: هل يستطيع ترامب تنفيذ وعوده؟ هذا سؤال برسم الأفعال، لا الأقوال.
إن البحث في اسم ترامب باللغة الإنكليزية يوصلنا إلى معانٍ كثيرة منها: «البوق، صوت البوق، الورقة الرابحة» لكن إذا أضفنا لاسمه: «ترامب أب يصبح المعنى: لفق، زَورَ، ضلل)!
لذلك آمل أن يكون ترامب ليس بوقاً، أو منافقاً جديداً، بل أن يكون ورقة رابحة لشعبه أولاً، وللعالم ثانياً، وكل ترامب وأنتم بخير.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock