تعافي سوريا بات حقيقة تُوثّقها الأرقام

لم يعد تعافي سوريا مسألة تكهنات أو موضع شك، فالمسألة باتت واقعاً ملموساً بالأرقام الواردة من دول الجوار، ولا سيما تلك المتعلقة بالتجارة والاقتصاد، فالعلاقات السياسية التي استطاعت سوريا إعادة ترميمها على أساس المصالح الوطنية والاحترام المتبادل بعد إسقاط نظام بشار الأسد في كانون الأول 2024، شكّلت نوعاً من التعافي السياسي، انعكس سريعاً على النشاط الاقتصادي، حيث بدأت العلاقات التجارية مع تركيا والأردن تُسجّل قفزات وُصفت بأنها “غير مسبوقة”، ما يعكس قدرة سوريا على استعادة دورها كلاعب سياسي واقتصادي إقليمي.
في هذا السياق يأتي إعلان تركيا أن صادراتها إلى سوريا تجاوزت ثلاثة مليارات دولار خلال عام 2025، مقارنة بنحو 1.95 مليار دولار في العام السابق، بزيادة بنسبة 54 بالمئة، إضافة إلى إشارة المسؤولين الأتراك إلى أن هذا النمو الكبير يعكس تحسّن بيئة الأعمال واستقرار الأسواق السورية، ما شجّع الشركات التركية على توسيع أنشطتها في قطاعات المواد الغذائية والصناعات التحويلية والمنتجات الاستهلاكية، فهذا التحسّن يعكس أيضاً رغبة تركيا في تعزيز التعاون الاقتصادي مع سوريا ضمن إطار مصالح متبادلة، مع الاستفادة من فرص السوق السورية الناشئة.
في الوقت ذاته، شهدت التجارة الأردنية مع سوريا ارتفاعاً “غير مسبوق”، حيث قفزت الصادرات الأردنية من 46 مليون دينار إلى 203 ملايين دينار، بنسبة نمو بلغت 341 بالمئة، بينما ارتفعت الواردات بنسبة 47 بالمئة لتصل إلى 75 مليون دينار خلال الأشهر العشرة الأولى من 2025، ليعكس هذا النمو التحسّن الواضح في العلاقات السياسية بين الأردن وسوريا، مع التركيز على التعاون في مجالات النقل والطاقة والزراعة، والتي تعدّ محرٍكات أساسية للنمو الاقتصادي الإقليمي.
هذا الانتعاش التجاري يرتبط مباشرة بالتعافي السياسي لسوريا، إذ يوفّر الاستقرار الداخلي ثقة أكبر للمستثمرين والشركاء الاقتصاديين، ويسهم في توسيع التجارة البينية وتنويع مصادر الاستيراد والتصدير، كما أن الانفتاح الاقتصادي يعزّز قدرة سوريا على مواجهة التحديات الاقتصادية الداخلية والخارجية، ويسهم بإيجاد بيئة جاذبة للاستثمارات الإقليمية والدولية.
ومع استمرار الإصلاحات الاقتصادية وتشجيع الاستثمار، من المتوقّع أن تستمر حركة التجارة في التوسع، ما يعزّز فرص التنمية الاقتصادية ويُكرّس استقراراً أكبر في المنطقة، إذ تشير الأرقام الحالية إلى أن سوريا ليست مجرد حالة سياسية جديدة، بل أصبحت قوة اقتصادية فاعلة في أسواق الجوار، قادرة على إعادة ترسيخ حضورها واستعادة دورها في التنمية الإقليمية.
ويظهر من الواقع أن السياسة والاقتصاد مرتبطان بشكل وثيق، إذ إن أي تقدّم في الاستقرار السياسي ينعكس مباشرة على النشاط الاقتصادي، بينما نجاح الاقتصاد يعزّز مكانة الدولة سياسيّاً، ما يجعل العلاقة بينهما عاملًا أساسياً في تعزيز النمو والاستقرار على المدى الطويل.
الوطن