مقالات وآراء

تعريب الحل في سورية عبر المؤسسات الرسمية.. عندما ينهي بيان اجتماع جدة أحلام شذاذ الآفاق!

مازالَ قطار التهدئة والمصالحات في المنطقة يسيرُ بهدوءٍ من دون منغصات لدرجةٍ اتفق فيها وزير الخارجية المصري سامح شكري والتركي مولود شاويش أوغلو على دعمِ نضال الشعب الفلسطيني! قطار المصالحات هذا دفع المتضررين منهُ لنبش الأرشيف الإعلامي لجميعِ الأطراف لاستعادة ما كان يقوله كل طرفٍ عن الآخر من شتائمَ ووعيد، لا عجب لأنهم يعتاشون على المشاكل فمن الطبيعي أن تراهم كمن يحتضر لأن عملهم سينتهي بوصولِ قطار المصالحات نحو محطتهِ الأخيرة فما الجديد؟

إن كانت الواقعية السياسية فرضت نفسها على الكثيرِ من الملفات، إلا أن الأنظار اتجهت إلى الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية التي كانت نهايةَ الأسبوع الماضي قبلةَ الأنظار وصمامَ حدوث التحولات الكبرى التي بدأت بالخطوات الجدية لإنهاء الحرب على اليمن ومن بينها إتمام اتفاق تبادلِ الأسرى وصولاً لبدءِ المفاوضات الجدية لاستعادةِ الأمن والأمان على الخاصرة الأضعف للخليج العربي الذي ستنعكس نتائجه على الجميع، مروراً باستقبال وزير الخارجية السعودي فرحان بن فيصل لوزير الخارجية والمغتربين فيصل المقداد وما تبعهُ من بيانٍ مشترك أنهى القطيعة بين الأشقاء واقترب من إعادة العلاقات إلى سابقِ عهدها، وصولاً لانعقاد اجتماعٍ وزراءِ خارجية دول التعاون الخليجي بالإضافة لكل من العراق ومصر والأردن، تمهيداً للقمة العربية المرتقبة التي تريدها المملكة العربية السعودية نقطة فاصلة في إعادة لم الشمل العربي، فيما مازال يصرَّ البعض على تبنيهِ سياسةَ التغريد خارج سرب الإجماع، لكن بصورةٍ أقل عدوانية عما سبق، ولعل البيان الختامي الذي صدر عقب نهاية الاجتماع الوزاري الخليجي يحمل الكثير من الدلالات الإيجابية التي لا يجب المرور عليها مرور الكرام والتركيز فقط على تفاصيلَ تكمن فيها الشياطين، وعلى هذا الأساس علينا التعاطي مع أهم النقاط الواردة في البيان شكلاً ومضموناً:

أولاً: الجيش العربي السوري ومكافحة الإرهاب والتنظيمات الإرهابية

تحدث البيان صراحةً عن أهمية مكافحة الإرهاب بكلِّ أشكالهِ وتنظيماته وضمان قيام المؤسسات الرسمية السورية بالحفاظ على وحدة الأراضي السورية وإنهاء وجود كافة الميليشيات المسلحة على أراضيها، هذهِ الفقرة من الواضح بأنها صيغت بعنايةٍ فائقة ومن دون تلاعب على الألفاظ، فعندما يتحدث البيان عن محاربةِ التنظيمات الإرهابية وبموافقة كل هذهِ الدول الحاضرة للاجتماع، هنا على بعض هذه الدول نفسها، أن تُعيد صياغة علاقاتها بتلك التنظيمات، وهنا حكماً لا نتحدث عن الدول التي طالها هذا الإرهاب كدولة الإمارات العربية المتحدة التي فكَّكت الكثير من الخلايا الإرهابية التابعة لتنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي وكذلك الأمر جمهورية مصر العربية التي عانت من إرهاب الإخوان ما عانته، ولكن هل الموافقة على هذا البيان سيعني قيام دولةٍ ما برفع اليد عن دعم تنظيم جبهة النصرة الإرهابي المصنف إرهابياً وفق قرارات الأمم المتحدة والذي لاتقف حدودَ طموحاته عند دولةٍ بعينها؟ هل تشمل هذه الفقرة محاربةَ الإرهاب الفكري الذي لا يقل خطورة عن الإرهاب المسلح عندما تفتح بعض القنوات الإعلامية الباب لدعوات القتل والسحل والتقطيع للشعوب العربية بذريعة حرية الرأي؟!

من جهةٍ ثانية فإن البيان أعطى للجهات الرسمية السورية الحق بحماية وحدة الأراضي السورية وضمان إنهاء وجود الميليشيات المسلحة فيها، هذا التفصيل لا يقل أهمية عن بند محاربة الإرهاب لأنه عملياً أعاد الاعتراف بدور المؤسسات الرسمية وهنا نتحدث عن المؤسسة الأهم وهي الجيش العربي السوري الذي تعود له فقط هذه المهمة، إن كان لجهةِ مكافحة الإرهاب أو حماية الحدود، هنا يبدو إعادة تعويم الجيش العربي السوري ولو كان الأمر بصورة غير علنية حفاظاً على مشاعر بعض المعترضين الذين مازالوا يرون بقوةِ الجيش العربي السوري انتهاءً لحلم فرض الميليشيات الإرهابية التي يدعمونها كبديلٍ محتمل، هو أيضاً إنهاء لأحلام وطموحات إرهابيي جبال قنديل أصحاب الطموحات الانفصالية بتحقيق حلم الدولة الموعودة، تحديداً أن بعضهم كان يتحدث صراحةً عن سعي أميركي لضمان اعتراف عربي بمناطق سيطرتهم، يومها كانت ذريعة الأميركي أن وجود هذه الخاصرة ضروري لاستغلال لحظات الضعف الإيرانية، اليوم ومع سقوط فكرة المواجهة الإيرانية- السعودية سقطت الحاجة لهذا الكيان المصطنع، هذه التفصيلة الهامة المتعلقة بمؤسسات الدولة الرسمية حسب المعلومات الواردة تمت بجهودٍ سعودية- إماراتية.

ثانياً: الحل سياسي

البيان تحدثَ صراحةً عن حل سياسي سوري برعايةٍ عربية ولم يتحدث عن شروط محددة لهذا الحل، بمعنى آخر سقطت عملياً الكثير من الشعارات التي كانت ترى الحل من منظور واحد أو بقرارات أممية، من ناحيةٍ ثانية فإن الجامعة العربية طرحت نفسها كطرف قادر أن يكون لهُ اليد الطولى في حدوث هذه التسوية وهو أمر مرحب بهِ، أساساً لم يحدث أن رفضت سورية يوماً الجهود العربية لإيجاد تسويةٍ للحرب عليها، ولكي نفهم فعلياً هذا التحول دعونا نتذكر بأن مسؤولاً قطرياً تحدث قبل الاجتماع عن أن عودة سورية إلى الجامعة العربية مجرد أوهام بسبب عدم انتفاء أسباب استبعادها، هذه التصريحات التي سبقت الاجتماع تتناقض تماماً مع البيان الختامي، لأن الأسباب التي مازال يظنها قابلة للتطبيق مثل ما يسمونه «رحيل النظام» أو ضم التنظيمات الإرهابية إلى صيغة حكم انتقالي كما كان يحلم البعض، أنهاها البيان عملياً، هذا التصريح لا يشبهه إلا تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن استحالة التطبيع مع «النظام المصري» ومع «النظام السوري» وماذا كانت النتيجة؟

ثالثاً: إعادة تعويم الدور العربي

مبدئياً أنا لا أتكلم هنا من مبدأ عقائدي لأني كنت وما أزال أرفض فكرة ربط العروبة بما لها من قيمة سامية تشكل هويتنا التي نعتز بها بأي سياق سياسي، فرابط الدم بيني وبين المصري أو الليبي والإماراتي لا يحتاج لمنطلقات نظرية لأعيشه، هذه المقدمة تبدو مهمة لكي يفهم من لا يريد أن يفهم بأن قطار العمل العربي المشترك سيعيد إقلاعهُ من جديد شاءَ من شاء وأبى من أبى، هذه الانطلاقة المتجددة تبدو فعلياً بظروفٍ مغايرة لما كانت عليهِ الفكرة في السابق، حيث انهار العمل العربي المشترك مع بداية لوثة الربيع العربي وانهار الأمن القومي العربي مع دخول صدام حسين إلى الكويت، نحن نتحدث اليوم عن تبدلٍ في الظروف والمعطيات تتيح للعمل العربي المشترك المزيد من القدرة على ضبط الكثير من إيقاعات التحول في الساحة العربية، هذا التحول يتجلى بالكثير من الملفات من بينها الصعود الصيني والروسي والترهل الأوروبي، تخلي بعض الدول عن الأعباء التي كانت تعيق انطلاقتها كما كان يحدث مع الوهابية في المملكة العربية السعودية، بالإضافة لذلك التجارب المريرة للكثير من الدول والتي أثبتت فكرة أن ما من أحد سيحمي أحداً ما لم يكن الداخل قوياً، على هذا الأساس فإننا نجد في البيان المشترك هذه الانطلاقة باتجاهين:

الاتجاه الأول قيام البيان بتقديم الحديث عن فلسطين المحتلة قبل الحديث عن سورية، أن استعادة القضية الفلسطينية باتجاه الحاضنة العربية هو إنجاز علينا عدم التقليل منه، بل ويدحض كل ما كان يتم الحديث عنهُ من قيامِ العرب ببيع فلسطين، حتى في ظل وجود دول مطبعة علناً أو في الخفاء مع الكيان، لم يمنع من تكرار الثوابت التي يُدافع عنها كل عربي أصيل وهي قطعٌ للطريق على كل من كان يُتاجر بالقضية الفلسطينية، أين هم من كانوا يحدثوننا عن قربِ وصول رئيس وزراء كيان العدو بنيامين نتنياهو إلى الرياض لتثبيت «صفقة القرن»؟ أين هم من كانوا يحدثوننا عن معلوماتٍ موثقة ويا للمصادفة جميع هذهِ المعلومات مصدرها مراكز دراسات أميركية عن قيام المملكة بدعم بناء وطن بديل للفلسطينيين؟ هذا البيان أسقط كل ما كان يُقال سابقاً، لكن وللأسف هناك من لايزال يمتهن التعامي عن كل التحولات بما فيها فكرة أن الأميركي بدأ يستشعر بفقدان القدرة على ضبط الأمور، فيما تأخذه أفكاره المبنية على «كره العروبة» باتجاه مضحك يقول: إن كل ما يجري يتم بإشراف أميركي!

أما الاتجاه الثاني فهو الحديث عن إنهاء الأزمة السورية، البيان حدد الكثير من المعطيات التي تناولناها مسبقاً لكنه كان واضحاً لجهةِ تبني الدول العربية مسألةَ ترتيب هذا الحل، هذا الكلام يحمل إشارات مهمة أهمها هي رسالة للغرب الذي قد يرفض أي نوعٍ من الحلول وبالتالي عدم رفع العقوبات، الضمانات العربية هنا ليست ضد سورية بل هي لضمان مرور الاتفاق عند المعترضين عليه، فماذا ينتظرنا؟

لا بد لنا من الترحيب بالنقاط الواردة في هذا البيان وبالسياق ذاته لابد لنا من شكر كل من بدأَ يرى الأمور بواقعيةٍ سياسية افتقدناها كثيراً، لابد لنا أن نقف مع أي جهدٍ يسعى لإنهاءِ الكارثة ضمن جميع الأطر التي تحمي السيادة السورية، أما من مازالوا يرون الاجتماع من منظور سؤال تكمن فيه الشياطين: لماذا لم يتحدث البيان عن عودة سورية إلى الجامعة العربية صراحةً؟ عليهم أن يستوعبوا بأن العودة تحصيل حاصل إن التزم الجميع ببنود هذا البيان، وإلا فإن تكرارهم لهذا السؤال سيجعلهم كمن يوقع على بنود البيان ويصرح بما يخالفه، أما الحديث عن ضمانات الالتزام ببنود الاتفاق فهي كذلك الأمر حاجة للاستقرار وليست ورقة للابتزاز، القطار انطلق ولا يبدو بأنه سيتوقف بسهولة!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock