مقالات وآراء

توبة.. «نص كم»!

غالباً ما نسمع عن إعلان شخصيات فنية اعتزالها الفن لأسباب مختلفة، وهذا أمر طبيعي أو أن تقرر فنانة مثلاً ارتداء الحجاب، هذا أيضاً طبيعي فارتداء الحجاب من عدمهِ هو حرية شخصية لا يزيد من مكانة من قررت ارتداءه ولا يقلل من قيمة من لا ترتديه والعكس صحيح، تحديداً أن الكثير من الفنانات واصلنَ العمل بعدَ ارتداء الحجاب بأدوار تلقى كل الاحترام والتقدير، لكن السبب الأكثر إثارة للجدل هو من يدعي اعتزال الفن بسبب «التوبة»، ولكي يكتمل الأكشن فإن هذه التوبة الطارئة غالباً ما تمر مرور الكرام عند الفنانين أو بالكاد يتغير مظهره بإطلاق لحيته، فيما تلقى عند الفنانات الكثير من المظاهر البريستيجية تبدأ بارتداء الحجاب، وتمر عبر ادعاء رؤية ثلة من الرسل في الرؤيا وصولاً إلى خطابات ولقاءات المواعظ الدينية حتى لنظن أن المتحدثة هي من المبشرين بالجنة دوناً عن غيرها، مع الأخذ بعينِ الاعتبار أن كثرة اللقاءات التي تجريها هذه المعتزلة تجعلك تظن بأنها اعتزلت الفن لتحترف الظهور الإعلامي، كما كانت تفعل فنانة مصرية شهيرة اعتزلت منذ سنوات طويلة الفن بداعي التوبة، مع العلم أن هذه الفنانة كانت لديها قضية دعارة وقضية حيازة مخدرات مع زوجها! هذه الحالة تفتح الباب لسؤالٍ جوهري:

هل الفن يحتاج إلى توبة؟

مبدئياً دعونا نتفق بأن فكرة ترك الفن بسبب التوبة تقودنا ضمنياً إلى فكرة تكفير أو تجريم كل من يعمل به لدرجة أن هذا العمل بحاجة للتوبة وهو أمر مرفوض لأنه أولاً وأخيراً يساهم في تعميم خطاب الكراهية ضد فئة قد لا نتفق مع الكثير من المنتمين إليها لكن ليسَ لدرجة تجريمهم!

النقطة الثانية التي لم يجبن عنها اللواتي اعتزلنَ الفن بداعي التوبة، من بين شروط التوبة هي حقوق الله، هل تدخل الأموال التي جناها الإنسان من عمله في الفن ضمن هذه الحقوق؟ هل على صاحب العمل إعادتها أو التبرع بها لأنها أموال جاءت من عمل يحتاج بمفهومهم إلى التوبة؟ هؤلاء لا يفرقون شيئاً عن الذي كان يعتقد يوماً بفتوى تحريم التصوير فيما أفكاره المتطرفة تُبَث عبرَ فضائيات تلفزيونية بأحدث تقنيات الغرب الكافر والعياذ بالله.

في الخلاصة: هناك الكثير من الكلام الذي يمكن قوله عن هذه التناقضات، لكن سأكتفي بما اتسعت له سطور هذه الزاوية، من حق أي إنسان أن يأخذ المنحى الذي يريد لكن بشرط عدم تجاوز هذا المنحى على القناعات الشخصية للآخرين، نعرف تماماً أن خير عباد الله الخطائين هم التوابون لكن هذه التوبة يجب ألا تصعد على سلم تجريم الآخر، ليس الفن من يحتاج إلى التوبة بل الفكر الذي يرى أن الله لم يهدِ سواه هو من يحتاجها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock