العناوين الرئيسيةمقالات وآراء

جدلية دمشق إلى يوم القيامة!

استرعى الانتباه تلك الردود الموافقة أو المعارضة ، المبجلة أوالساخطة عندما ألقى الشاعر الأستاذ محمد ياسين صالح أبياته عن دمشق في أثناء توليه وزارة الثقافة السورية ، وهذه الردود أخذت منحيين من دون فهم أمرين : جوهر الشعر، جوهر الظرف، فأما جوهر الشعر فهو صورة مدهشة قد تروق لكثيرين أو لا تروق ، وجوهر الظرف ، وهنا بيت القصيد ، فهو الأكثر أهمية لأنه اعتمد على السياسة في مناقشة البيتين ، وهذا أمر فيه الكثير من الخطأ والخطل والجهل ، فمهما كان الرأي فنياً بهذا الشعر، فنحن لسنا أمام دراسة نقدية ، إلا أن الظرف الذي أُلقيت فيه الأبيات قسّم السامعين إلى فريقين متضادين هما :
– من قرأ التاريخ الدمشقي قراءة تاريخية ، وأدرك أن هذه الفاصلة التاريخية هي جزء من حياة دمشق ، ومن الجميل استثمار التاريخ في الصورة ، ولهذه الحال ، ومع دمشق بالذات ، ومع جامعها الأموي تحديداً مئات الأبيات التي تستخدم تعابير الخلود والبقاء ، ويوم القيامة تحديداً ، وربما نهل الشاعر من هذا التراث فاستعار الصورة .
– من قرأ التاريخ من منظور ضيق ، وقد استمعت إلى كثيرين يكتبون ويتحدثون ، ويمدحون ، وينالون من الأمويين وتاريخهم ، كأنّ الانتماء عندهم تكريس أو رفض ، وفات هؤلاء جميعاً أنهم شاؤوا أم أبوا ، مرّ هؤلاء الأجلاء ، وتركوا آثارهم ، وإن رأينا اليوم سلباً أو إيجاباً لا يعنيهم بشيء ، وفي تراثنا وحاضرنا من فهم حقيقة الرمز والمجد ، ورأى ارتباط دمشق بالأمويين الذين أعطوها مكانتها وقصر الخضراء ، وهؤلاء الذين ملكوا الوعي ، وإن كان انتماؤهم غير أموي ، إلا أنهم لاذوا بالرمزية للمدينة !
وإنصافاً للشعر والشاعر عصفت ذاكرتي ، وعدت إلى كتابٍ لي أصدرته في دمشق 2016 وهو بعنوان «الديوان السوري» الذي جمعت فيه دراسات بين عامي 2014 و2016، فوجدت أن تعبير «يوم القيامة» في هذا السياق استعمله ببراعة محمد بن حبيب الشاعر الدمشقي المولود في 710 هـ ، الذي وُصف شعره بالسلاسة والعمق ، وجاء ذكره في «البرق المتألق» و«نفح الطيب»، إذ قال في الأموي الجامع والرمز، ولنمعن النظر والقراءة :
بجامع جلق رب الزعامه
أقم تلق العناية والكرامه
مصلى فيه للرحمن ذكر
ومثوى للقبول به علامه
دمشق لم تزل للشام وجهاً
ومسجدها لوجه الشام شامه
أدام الله بهجته وأبقى
محاسنه إلى يوم القيامه
من هذا الشعر، ومن عبقرية محمد بن حبيب جاء تعبيران : “شامة”، و”يوم القيامة”، الأول استعاره الشاعر نزار قباني : يا شام يا شامة الدنيا .
والتعبير الثاني استعاره الشاعر محمد ياسين صالح ، يوم القيامة .
وهذا يتيح لنا أن نقرأ مفهوم الرمز والصورة ، ولابن حبيب استعارات ورموز ستبقى منهلاً للمبدعين ، ولنقرأ ما قال في الجامع الأموي .
معبد الشام يجمع الناس طراً
وإليه شوقاً تميل النفوس
كيف لا يجمع الورى وهو بيت
فيه تُجلى على الدوام العروس؟
في إشارة ذكية لمئذنة العروس ، فهل إذا استعارها شاعر يمكن أن تقوم المواقع ولا تقعد سلباً أو إيجاباً؟

إسماعيل مروة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock