اقتصادالعناوين الرئيسية

حبس السيولة تقيّد الاقتصاد وتربك الجميع

تُشكّل السياسات النقدية التقييدية التي يتبعها تحدياً كبيراً للاقتصاد الوطني، حيث تؤدي إجراءات حبس السيولة إلى عواقب واسعة النطاق على القطاعات المختلفة. فمن ناحية، تُعيق هذه السياسات حركة السيولة الطبيعية ما يحد من قدرة المصارف على تقديم الخدمات التمويلية والدعم اللازم للأنشطة الاقتصادية، ومن ناحية أخرى، فإن تقييد السحوبات النقدية يؤثر سلباً على القوة الشرائية للأفراد ويعمق الأزمات المعيشية في ظل الارتفاع المستمر للأسعار، كما تؤدي إلى إضعاف ثقة المواطنين بالنظام المصرفي، ما يدفع نحو زيادة الاعتماد على القنوات غير الرسمية لإدارة الأموال. وعلى المدى المتوسط والطويل، قد تساهم هذه السياسات في تعميق الركود الاقتصادي وزيادة معدلات البطالة، ناهيك عن تأثيرها السلبي على كفاءة الإنفاق العام وسير العمل في المؤسسات الحكومية.

في المقابل، تبرز حلول التكنولوجيا المالية كأحد البدائل الواعدة للتخفيف من حدة هذه التحديات، عبر توفير قنوات مالية بديلة تدعم الشمول المالي وتقلل الاعتماد على السيولة التقليدية.

نائب عميد كلية الاقتصاد في جامعة حماة الدكتور عبد الرحمن محمد رأى في حديثه للوطن، أن قرار حصر إيداعات الجهات العامة لدى المصرف المركزي يعكس توجهاً واضحاً نحو تعزيز السيطرة على السيولة النقدية في سوريا.. ومن الناحية المالية فهذا القرار إن صح القول يهدف إلى تقليل المعروض النقدي المتداول، ما قد يسهم في استقرار سعر صرف الليرة السورية بشكل مؤقت.

وأضاف: على الرغم من ذلك، فإن هذا الإجراء يحمل آثاراً سلبية على القطاع المصرفي، حيث يقلل من قدرة المصارف العامة والخاصة على إدارة السيولة بحرية، ما يضعف قدرتها على تقديم القروض والخدمات المالية الأخرى.، كما أنه من الناحية التشغيلية يؤدي إلى تقليص دور المصارف التجارية في الاقتصاد، ما يحد من قدرتها على دعم الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية.

انعكاسات على كفاءة الإنفاق العام

ويرى أستاذ الاقتصاد، أن سياسة حبس السيولة التي تتطلب موافقة المصرف المركزي على صرف الشيكات الخاصة بالجهات العامة تعكس تشديداً رقابياً صريحاً على الإنفاق العام، ولكن هذه السياسة تؤدي إلى تعطيل العمليات التشغيلية للقطاع العام، مثل لجان المشتريات، ما يعرقل تنفيذ المشاريع والخدمات الحكومية، كما أنها تزيد من البيروقراطية وتؤثر سلباً في كفاءة العمل الحكومي، مضيفاً: أما على المدى الطويل، فقد يؤدي ذلك إلى تراجع الثقة في النظام المصرفي وزيادة الاعتماد على وسائل غير رسمية لإدارة الأموال.

دور التكنولوجيا المالية (FinTech) في مواجهة الأزمة

وحول دور التكنولوجيا المالية (FinTech) في التخفيف من آثار تجفيف السيولة قال: إن التكنولوجيا المالية (FinTech) يمكن أن تلعب دوراً حيوياً في مواجهة آثار تجفيف السيولة، من خلال تعزيز الشمول المالي وتوفير حلول دفع إلكترونية تسهل الوصول إلى الأموال من دون الحاجة إلى السيولة النقدية، كما تسهم في إدارة المخاطر بتحسين إدارة السيولة عبر أدوات تحليل البيانات والذكاء الاصطناعي، وتساعد في تطوير منصات الإقراض الرقمي، وتسهم في تمكين الأفراد والشركات من الحصول على التمويل بسهولة من دون الاعتماد على السيولة التقليدية، إضافة إلى تقليل التكاليف التشغيلية عبر استخدام التكنولوجيا لتقليل الاعتماد على العمليات اليدوية، ما يخفف الضغط على المصارف.

نتائج سياسة حبس السيولة ومخاطر الاستمرار بها

وحول تحديد سقف السحب الأسبوعي بـ200 ألف ليرة سورية للحسابات المودعة قبل 5/7/2025 بما في ذلك حسابات مقدمي الخدمات الطبية عبر التأمين، قال: إن تحديد سقف السحب الأسبوعي بـ200 ألف ليرة سورية يعكس استمرار سياسة تقنين وتجفيف السيولة، فمن الناحية الاقتصادية، هذا الإجراء يهدف إلى تقليل الطلب على العملة الأجنبية واستقرار سعر الصرف، ومع ذلك، فإن هذا السقف يضر بالقدرة الشرائية للأفراد ويزيد من الضغوط المعيشية، وخاصة في ظل ارتفاع الأسعار، كما أنه يعمق أزمة الثقة بين المواطنين والمصارف، ما يدفع البعض للجوء إلى الاكتناز النقدي أو التعاملات غير الرسمية.

وعن نتائج سياسة حبس السيولة ومخاطر الاستمرار بها قال: أصبح واضحاً للجميع أن سياسة حبس السيولة أدت إلى ركود اقتصادي نتيجة نقص السيولة التي تحد من الإنفاق والاستثمار، وزيادة الفجوة الاجتماعية، حيث تتركز الأموال في يد قلة من التجار والمستوردين، بينما يعاني المواطنون عجزاً شرائياً واضح المعالم، إلى جانب تراجع الثقة في النظام المصرفي؛ ما يدفع رؤوس الأموال إلى الهروب للخارج أو الاستثمار في ملاذات آمنة مثل الذهب والعقارات، ناهيك عن تهريب الأموال وإمكانية استغلال التحسن المؤقت في سعر الصرف لتحويل الأموال إلى عملات صعبة وتهريبها خارج البلاد.

مضيفاً: بصراحة، إن الاستمرار بهذه السياسة يحمل مخاطر كبيرة، منها تعميق الركود الاقتصادي، وزيادة معدلات البطالة، وتفاقم الأزمات الاجتماعية، وقد يؤدي إلى اضطرابات واسعة النطاق ومدمرة لبلدنا في مرحلة نحن أحوج ما نكون لأساسات بناء.

وختم بالقول: حسب رأيي الاقتصادي الأكاديمي: إن سياسة حبس السيولة التي يتبعها المصرف المركزي السوري قد تحقق أهدافاً قصيرة الأجل مثل استقرار سعر الصرف، لكنها تأتي بتكلفة اقتصادية واجتماعية باهظة، وإن الحل يكمن في تبني سياسات نقدية توسعية تدعم الإنتاج والاستثمار، مع تعزيز دور التكنولوجيا المالية لتخفيف الضغوط على النظام المصرفي…. كما يجب إعادة النظر في القيود المفروضة على السحب والإيداع لضمان استعادة الثقة في القطاع المصرفي وتحفيز النشاط الاقتصادي.

محمد راكان مصطفى

زر الذهاب إلى الأعلى
الوطن أون لاين
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock