العناوين الرئيسيةسياسة

حدود الدم.. لماذا يستحيل السماح بتقسيم أو فدرلة سوريا؟

في خضم الأحداث التي تشهدها سوريا، تتصاعد طروحات كثيرة حول مستقبل الدولة السورية وشكل نظامها السياسي والإداري، من بين هذه الطروحات برز خيار الفدرلة أو التقسيم باعتباره مخرجاً محتملاً، من الأزمة المستعصية (بحسب رأي البعض)، غير أن دراسة الواقع السوري بعمق تكشف أن هذه الخيارات تحمل مخاطر تفوق بكثير ما يُتوقع أن تقدمه من حلول، وليبقى السؤال الأبرز لماذا لا يمكن السماح بالتقسيم او الفدرلة؟.

بداية.. سوريا ليست دولة ذات أقاليم متمايزة إثنياً أو طائفياً على غرار بعض الدول الفدرالية، (الولايات المتحدة الأمريكية، كندا، أستراليا، ألمانيا، سويسرا، …)  بل هي فسيفساء معقدة تتشابك فيها المكونات القومية (عرب، كرد، تركمان، آشوريون، أرمن…) والدينية (مسلمون مسيحيون)، وهذا التداخل يجعل رسم حدود “فدرالية” أو “تقسيمية” أمراً شبه مستحيل دون اللجوء إلى الهندسة الديموغرافية (التهجير والتطهير السكاني)، وهو سيناريو يحمل بذور نزاعات طويلة الأمد.

تالياً.. تقع سوريا في موقع محوري يربط بين آسيا الصغرى وبلاد الرافدين وبلاد الشام، أي أن تفكيك لسوريا سيؤدي إلى نشوء كيانات ضعيفة مفتوحة أمام التدخلات الإقليمية والدولية، إضافة الى أن تركيا ترفض أي شكل من الكيانات الكردية المستقلة على حدودها، والعراق يعاني من هشاشة فدراليته وانقساماته الداخلية، والأردن ولبنان، بطبيعتهما الهشة، يخشيان انتقال عدوى التفكك،وبالتالي، فإن الفدرلة أو التقسيم في سوريا لن يبقى شأناً داخليًا، بل سيتحول إلى بؤرة صراع إقليمي مستدام.

منذ الاستقلال عام 1946، تشكّل مفهوم “سوريا الواحدة” كجزء أساسي من الهوية الوطنية السورية، وعليه فإن الفدرلة أو التقسيم يعني تكريس الطائفية والإثنية كأساس للحكم، وهو ما يتناقض مع طموحات غالبية السوريين الذين طالبوا بدولة مدنية ديمقراطية، تقوم على المواطنة المتساوية لا على المحاصصة المجتمعية.

من المؤكد أن الحل لا يكمن في تقسيم الجغرافيا بل منح المحافظات القدرة على إدارة مواردها وخدماتها (التعليم، الصحة، التنمية المحلية)، بينما تبقى قضايا السيادة الكبرى (الدفاع، السياسة الخارجية، الاقتصاد الوطني) بيد الدولة المركزية، وهذا النموذج يمكن أن يحقق توازنًا بين احترام خصوصيات المكونات المختلفة، والحفاظ على وحدة سوريا ككيان سياسي وجغرافي.

 

من نافلة القول إن أي مشروع لتقسيم سوريا أو تحويلها إلى دولة فدرالية لن يؤدي إلا إلى تعميق الانقسام الداخلي وفتح الباب أمام صراعات إقليمية جديدة، وبهذا المعنى، فإن مستقبل سوريا لا يُبنى على رسم خرائط جديدة، بل على صياغة عقد اجتماعي جديد يضمن المساواة والعدالة لجميع مواطنيها ضمن دولة واحدة موحدة.

الوطن

زر الذهاب إلى الأعلى
الوطن أون لاين
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock