العناوين الرئيسيةسوريةسياسة

حينما تتكلم السياسة بلغة المال.. السعودية تعيد فتح أبواب دمشق بمفتاح الاستثمار لا البيانات

يُشكّل “منتدى الاستثمار السوري السعودي 2025” في دمشق خطوة تعبّر عن تحول استراتيجي في التعاطي العربي مع الملف السوري، ليكون الحدث الأول من نوعه منذ أكثر من عقد، ويحمل في طياته رسائل سياسية عميقة تتجاوز الأبعاد الاقتصادية المباشرة، رسائل مفادها أن سوريا لم تعد ساحة حرب بل ساحة فرص.
تنظيم المنتدى بتوجيه مباشر من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، دلالة واضحة على أن الرياض لا تنظر إلى سوريا اليوم كساحة صراع، بل كمجال استثماري واستراتيجي يمكن من خلاله إعادة إنتاج الاستقرار في منطقة لطالما عانت من النزاعات والتدخلات الخارجية.
وبحسب مراقبين، فإن هذه الخطوة لا تعكس فقط رغبة المملكة في تعزيز التعاون الاقتصادي، بل تشير أيضاً إلى توجّه سياسي سعودي يتبنى “الانفتاح التنموي” كمدخل لصناعة الاستقرار في المنطقة، وإعادة دمج سوريا تدريجيّاً في محيطها العربي والدولي.
رغم الطابع الاستثماري العلني للمنتدى، إلا أن خلفياته السياسية كانت حاضرة بوضوح. فالرياض، من خلال هذه المبادرة، تسعى إلى إيصال رسالة مفادها أن “سوريا اليوم باتت آمنة للاستثمار، وأن السعودية مستعدة لدعم استقرارها”.
وتؤكد هذه الخطوة أن المملكة ترى في الاقتصاد أداة استراتيجية لإعادة ترتيب التوازنات في المنطقة، بعيداً عن أدوات الضغط التقليدية والعزلة، حيث تعمل على تشجيع الأطراف العربية والدولية على المشاركة في جهود إعادة الإعمار، وفتح الباب أمام عودة سوريا إلى الحياة الطبيعية، اقتصاديّاً وسياسيّاً.
يُعدّ المنتدى أيضاً بمثابة خطوة رمزية وعملية لدعم عودة سوريا إلى محيطها العربي، وخاصة أنه جاء بمبادرة من دولة محورية مثل السعودية، التي لطالما كان لها ثقل سياسي واقتصادي في المنطقة.
فالمملكة تعمل اليوم على إعادة إدماج سوريا في النظام الإقليمي، ليس فقط من خلال الخطابات السياسية، بل من خلال مشاريع اقتصادية طويلة الأمد تُعزّز فرص الاستقرار والتنمية.
كما أن تشجيع المناخ الاستثماري في سوريا يُقرأ كرهان سعودي على أن الاستقرار الأمني والسياسي هو الشرط الأساسي لجذب رؤوس الأموال وضمان نجاح المشاريع الاقتصادية.
لا يقتصر البُعد السياسي للمنتدى على الداخل السوري، بل يتعداه إلى رسالة واضحة موجهة للغرب، مفادها أن الدول العربية، وعلى رأسها السعودية، ترى أن الوقت قد حان لتغيير النهج في التعاطي مع دمشق.
فالعقوبات والعزلة، بحسب التوجه السعودي الجديد، لم تسهم في إنهاء الأزمة، بل في تعقيدها، وأن الانخراط الإيجابي عبر أدوات الاقتصاد والتنمية هو السبيل الأكثر واقعية للتغيير والاستقرار.
تنظيم المنتدى يعكس أيضاً رغبة سعودية واضحة في لعب دور قيادي في ملف إعادة الإعمار السوري، والمساهمة الفعلية في “صناعة السلام” بدل الاكتفاء بدور المراقب أو المموّل عن بعد.
ويأتي ذلك متسقاً مع رؤية السعودية 2030، التي تشترط لتحقيق أهدافها تنمية إقليمية مستدامة، تنطلق من استقرار جوارها الجغرافي.
بذلك، يبدو أن منتدى الاستثمار السوري السعودي 2025 ليس مجرد فعالية اقتصادية، بل هو أداة سياسية ذات أبعاد استراتيجية، تندرج ضمن توجه سعودي أشمل لإعادة صياغة العلاقات الإقليمية، وتوظيف الاقتصاد في بناء التوازنات، ودفع الاستقرار، وحفظ المصالح العربية.
في دمشق، اختارت السعودية أن تتحدث بلغة جديدة، لغة الاستثمار بدل المقاطعة، والشراكة بدل العزلة.

الوطن

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock