خبير إقليمي لـ”الوطن”: التعليم كان في سوريا غير منصف ويحتاج إلى نظام مبتكر .. والدروس الخصوصية أصبحت أشبه بتعليم موازٍ

عبر الدكتور إبراهيم عبد الكريم الحسين الخبير الإقليمي في جودة وتميز التعليم عن حزنه وقلقه على مستقبل التعليم في سوريا نتيجة واقع نظام التعليم ومخرجاته، فالأمر ممتد منذ أكثر من نصف قرن حتى الآن نتيجة مجموعة من الأسباب منها، تركيز التعليم على تحصيل الدرجات وليس تعلم كفاءات المستقبل.
وأضاف الحسين: يكافح أبناؤنا في سوريا مع أسرهم من أجل الحصول على الدرجات، لأنها الهدف الرئيس الذي كرّسه النظام التقليدي للتعليم، ونتيجة لذلك أصبحت الدروس الخصوصية أشبه بنظام تعليم مواز تسبب بضعف جودة التعليم بالرغم من بعض منافعه، كما تسبب بأزمة تعليمية واقتصادية عميقة، تمثلت بالتركيز على الدرجات كغاية للتعلم، وتسبب بانعدام تكافؤ الفرص بين الطلاب وضعف الإنصاف والمساواة، واتسعت بذلك الفجوة بين الذين يملكون المال ليتعلموا وبين الذين لا يملكون، معتبراً أن هذا أضعف جودة نواتج تعلم مهارات القرن الحادي والعشرين التي تعتبر من أهم دعائم الاقتصادات القائمة على المعرفة والإبداع، إضافة إلى الآثار الاقتصادية، حيث تشكل سوق مواز يقدر حجمه بمليارات الليرات السورية، إذ تصل تكلفة الدروس الخصوصية لأسرة لديها طالبان إلى ما يعادل 30-50 بالمئة أو أكثر من دخل الأسرة الشهري.
وأشار إلى أن نظامنا التعليمي نظام غير منصف وغير شامل، وسّع فجوة الحصول على التعليم الجيد بسبب انحسار دور الدولة الراعية للأطفال من الفئات الاقتصادية الأقل حظاً والمهمشين والأطفال في المناطق الريفية، كما أن هناك فجوة جودة الخدمات التعليمية بين المحافظات ما تسبب بهدر في رأس المال البشري نتيجة ضعف جودة التعليم في مؤسسات التعليم المبكر الذي يعتبر الأساس المتين لنظام التعليم في كل المراحل، لافتاً إلى أن ضعف نواتج تعلم الطلبة السوريين مقارنة بالتقييمات الدولية بسبب ضعف نظامنا التعليمي التقليدي وليس بسبب قدرات أبنائنا الطلبة.
وبيّن أن الدراسات الدولية التي قامت بتقييم نظام التعليم في سوريا أشارت إلى واقع مأساوي، حيث لم تشارك سوريا منذ 14 سنة بهذا النوع من التقييمات بسبب انهيار منظومة التعليم بسبب الظروف التي مرت بها خلال تلك السنوات، مضيفاً: على حد علمي نتائج مشاركة طلبتنا في آخر مشاركة في تقييمات TIMSS سجلت الأقل أداءً بين الدول، والدول العربية كذلك لم تكن نتائجها مُرضية مقارنة بحجم الإنفاق على التعليم.
كما بيّن أن النتائج تشير إلى ضعف تمكين أبنائنا من مهارات القرن الحادي والعشرين مثل الإبداع والابتكار والفهم القرائي بسبب تركيز النظام التعليمي على دفع الطلبة للتعلم من أجل الاختبارات والدرجات.
ورأى أن من أسباب ضعف التعليم هو ضعف إسهام نظام التعليم في التنمية المستدامة، مضيفاً: كلما راجعت المنصة الرقمية لمعهد اليونيسكو للإحصاء وشاهدت تلك اللوحة التي يسيطر عليها اللون الرمادي (لا تتوفر بيانات) أو اللون الأحمر (انخفاض حاد)، ينتابني الخوف على مستقبل بلادي نتيجة هذا الدمار اللامرئي.
وتابع: نحن نشاهد دمار مدن بكاملها -هذا محزن للغاية- لكن الأكثر خوفاً الدمار اللامرئي: مؤشرات انخفاض معدلات الالتحاق بالتعليم الأساسي، 40 بالمئة من المدارس دمرت أو تضررت، نقص المعلمين المؤهلين وهجرة الكفاءات منهم، انخفاض معدل الإلمام بالقراءة والكتابة إلى أكثر من 70 بالمئة، تفاقم عدم المساواة بين الجنسين وخاصة في المناطق الريفية ومناطق النزوح، إضافة إلى ضعف البنية التحتية الرقمية منذ عام 2011 بسبب الأزمة.
واعتبر أن نظام التعليم في سوريا بالرغم من كل الجهود التي تقوم بها وزارة التربية والتعليم – مشكورة- في نهج الإصلاح الحالي، غير قادر على تكوين القوى الدافعة للتنمية المستدامة، وهو يحتاج إلى إعادة التفكير لتحويل التعليم بشكل جذري من نظام يُعد الطلاب للاختبارات والشهادات إلى نظام مبتكر جديد يمكن الطلاب من كفاءات المستقبل للمساهمة في التنمية الوطنية والاقتصاد القائم على المعرفة والإبداع.
الوطن- محمود الصالح