مقالات وآراء

دمشق التي كانت أم ستكون؟!

بقلم إسماعيل مروة

في كل يوم يطالعنا أحدهم بقوله: دمشق التي كانت، وآخر يتحدث عن سورية التي كانت!! ونأخذ هذه المقالات ونباهي بها، ونعدّها أنها ميزات لمدينتنا وسوريتنا، ويكثر الحديث حول الماضي منذ بداية الحرب على سورية أو الصراع على سورية، وأسأل نفسي: ماذا يفيد هذا الحديث؟ فلو كنا أول أبجدية، ولو كنا أول من أدخل وسائل المواصلات أو البرق أو الفنادق فماذا يعني هذا بعد أن تحوّل ليصبح جزءاً من الذاكرة والماضي؟

الماضي مضى واستهلكناه، وتحول إلى جزء من التاريخ القريب أو البعيد، لا نريد أن نعيشه، ولا تمثل العودة إليه أي ظاهرة إيجابية! إن ما تعنيه ببساطة شديدة عجزنا عن الحاضر، وعجزنا عن الحياة الحالية! من الطبيعي، ومن أسس تطور الحياة أن تتغير الأمور بين يوم وآخر، وبين ساعة وأخرى، وليس صحيحاً أن الماضي أفضل من اليوم، والعجز هو فينا عن مجاراة الحياة والحداثة، وهذا العجز يدفعنا دفعاً إلى الحنين للماضي وما نزعم فيه من تقدم وحضارة ورقي، ذلك لأننا لم نستفد في ذلك الوقت من الحضارة العظيمة، ولم نتطور معها كما يجب أن يكون التطور.. وعدم تطورنا ومجاراتنا للعصر ومتطلباته لا يعني بحال من الأحوال أن نجلس لنسترجع صورة بلدنا كما كانت، ليغلبنا الحنين إلى العربة والحصان، وإلى البائع المتجول، والبائعة، وإلى الساحات الخالية من الناس، وإلى الأبنية العديدة التي نشأت ذات يوم بجهودنا أو أنشأها محتلون!! السؤال الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا:

ماذا أضفنا لما كان؟ ما المشيدات التي أنشأناها؟ ما التطويرات التي أنجزناها على حياتنا؟ ماذا وماذا؟ عندها سنصل إلى نتائج قاسية تتعلق بالجريمة التي ارتكبناها بحق بلدنا كلها، وبحق مدننا كافة، فلا الساحات ساحات، ولا الموانئ موانئ، ولا الإنسان بلغ مرحلة تناسب العصر! وهذا سيدفعنا إلى بذل المزيد من الجهد ومراجعة الذات للحاق بقطار الحياة والتقدم الذي لا ينتظر أحداً، ولا يدعونا إلى البكائيات والترحم على ما مضى، وإذا انتحينا جانباً نتحدث عن دمشق التي كانت، وحلب التي كانت، وحمص التي كانت، فلن نختلف كثيراً عن أولئك الذين يدعون الناس للحياة في الماضي بكل تفصيلاته العقيدية والاجتماعية، فالثوب القصير كان لعلل منها الفقر، فهل نعود إليه؟ والاقتصاد الذي يقترب من البخل كان بسبب الفقر، فهل نعود إليه؟

الحياة تتطور اجتماعياً وفكرياً واقتصادياً، ولا يستطيع أحد اليوم أن يلغي التطور التقاني بحنينه إلى ورق البردي، فورق البردي صار متحفياً وتاريخياً وللزينة، وضرورة الرمل والملح للاحتفاظ بالسمك لعيد شم النسيم لا قيمة لها اليوم بوجود المواصلات ووسائل التبريد، وهي ليست أفضل مما هو اليوم بحال من الأحوال.. والأغذية المخزنة بالأوعية الزجاجية كما كان يفعل الأجداد ليست أفضل من الأغذية الطازجة التي تأتيك لحظياً.. والأبنية القديمة- على عظمتها- ليست أفضل من أبنية اليوم وغير قادرة على استيعاب الناس والحضارة، وليس مطلوباً أن أبقى أسيراً لها اليوم وأن أبكي لأجلها وأجل عودتها.

وأطرف ما في الأمر أن من يبكي على أيام زمان لدمشق لم يعرف دمشق، ومن يتشوق للمصور الأرمني لم يأخذ صورة منه، ويتغنى بصور جوّاله الرقمي! مما لا شك فيه أن مدننا كانت عظيمة لزمانها وعلينا أن نسعى لتبقى عظمتها لنا ولأتباعنا، ولا شيء غير ذلك، وإلا كنا نكوصيين متخلفين نعيش في الماضي.. فلنقل يا سورية القادمة، ويا دمشق الغد.. وحدها القيم التي لا تتغير وإن لبست لبوساً آخر.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock