دمشق–طوكيو.. دبلوماسية كسر القطيعة ما بعد الأسد

لم يكن إعلان استئناف العلاقات بين سوريا واليابان بعد قطيعة استمرت نحو خمسة عشر عاماً خطوة معزولة عن السياق السياسي الأوسع، بل جاء كأحد المؤشرات الواضحة على التحول العميق الذي تشهده السياسة السورية منذ إسقاط نظام بشار الأسد وتولي القيادة السياسية الجديدة زمام السلطة، ففي هذا الإطار، تبدو عودة طوكيو إلى دمشق استمراراً لنجاح مسار الانفتاح الذي تبنته سوريا الجديدة تجاه الشرق والغرب على حد سواء.
مصادر سياسية مطلعة رأت أن التحرك الياباني يحمل دلالة مهمة، لأنه انفتاح آسيوي من دولة صناعية كبرى كانت تتعامل بحذر شديد مع الملف السوري طوال سنوات الحرب، ويقول أحد المصادر إن “اليابان لا تعود إلا عندما تتأكد أن هناك تغييراً بنيوياً في طبيعة الحكم وخياراته”، معتبراً أن الزيارة تشكل “شهادة دولية أولية على التحول السياسي في دمشق”.
في السياق، يعيد مراقبون إلى الأذهان أن القيادة السورية الجديدة وضعت، منذ الثامن من كانون الأول الماضي، إعادة ترميم العلاقات الخارجية في صلب أولوياتها، عبر خطاب سياسي مختلف يقوم على الشراكة الاقتصادية، والابتعاد عن منطق الاصطفافات الحادة، وفي هذا الإطار، يرى مصدر سياسي أن “اختيار اليابان تحديداً يعكس توجهاً سورياً واعياً نحو قوى دولية غير صدامية، تمتلك نفوذاً اقتصادياً من دون أثمان سياسية ثقيلة”.
على ضفة موازية، تكتسب الخطوة أهمية مضاعفة في ظل حاجة سوريا إلى نموذج إعادة إعمار بعيد عن الحلول “السريعة والمرهقة”، فالخبرة اليابانية في إعادة بناء الدول الخارجة من الحروب تمنح دمشق شريكاً نوعياً، إذ يشير خبراء في التنمية إلى أن التركيز على تدريب الكوادر السورية يعكس فهماً عميقاً لطبيعة التعافي طويل الأمد، وليس مجرد ضخ مساعدات ظرفية.
واستكمالاً لما سبق، وعلى المستوى السياسي، يمكن النظر إلى إعلان طوكيو دعمها سيادة سوريا ورفض الاعتداءات الإسرائيلية على أنه يحمل وزناً خاصاً، لأنه يصدر عن دولة حليفة “تقليدياً” للغرب، وهنا يقول أحد المصادر السياسية إن “هذا الموقف يعزز هامش الحركة الدبلوماسية لسوريا الجديدة، ويمنحها قدرة أكبر على كسر العزلة التي فُرضت عليها في مراحل سابقة” بسبب سياسات النظام البائد.
ختاماً، يمكن قراءة استئناف العلاقات السورية–اليابانية بوصفه إحدى ثمار نجاح الدبلوماسية السورية في مرحلة ما بعد الأسد، ورسالة بأن دمشق تواصل استعادة موقعها الدولي عبر بوابة السياسة المتزنة والمتوازنة والانفتاح المدروس، وبالتالي العودة بقوة إلى المشهد الدولي كشريك قابل للتعاون والاستثمار.
الوطن