دور المثقف السوري.. من التهميش زمن النظام البائد إلى استعادة الدور الاجتماعي والفكري والحضاري بعد التحرير

في ظل التطورات المتسارعة التي تشهدها سوريا بعد تحريرها من النظام البائد، يبرز دور المثقف بوصفه بوصلة وضميراً جمعياً، تقع على عاتقه مهمة قراءة الواقع بوعي ونقد، وتقديم الرؤى التي تسهم في بناء وعي مجتمعي جامع.
فالمثقف ليس مجرد شاهد، بل هو شريك في صياغة خطاب يحافظ على القيم الإنسانية والوطنية.
ويرى الكاتب والإعلامي إبراهيم الجبين أن دور المثقف في هذه الأوقات هو الأصعب على الإطلاق، إذ تتوزع على عاتقه مسؤوليات متعدّدة في آن واحد. في مقدمتها: قراءة الواقع بعمق، لا الاكتفاء بتصورات شخصية عنه. فمن خلال فهم معطيات الواقع السياسي والاجتماعي، يصبح بإمكان المثقف أن يحكم على الأحداث ويصوغ خطاباً يتحمل مسؤوليته التاريخية والأخلاقية، خصوصاً في ظل ما قد يترتب على تدخل المثقفين من تأثير مباشر في الرأي العام.
ويشير الجبين إلى أن قراءة الواقع لا تعني الاستسلام لما يفرضه، بل هي إدراك واعٍ لما يحيط بنا. فمن دون هذا الإدراك، سنبقى أسرى “حقائق متخيلة”، سواء في نظرتنا للمجتمعات الأخرى، أو في تصورنا للمستقبل الذي نخشاه أو ننشده. ويضيف: إن من أبرز الواجبات اليوم أن يتوقف المثقف السوري عن احتقار ذاته، وألا يرضخ لسياسات التهميش التي فرضها النظام البائد. فالكثير من المثقفين السوريين استسلموا لتلك العقيدة حتى باتوا يظنون أنهم على الهامش، بينما هم يمتلكون القدرة على إحداث فرق حقيقي إذا تدخلوا بوعي في القضايا المصيرية.
ويلفت الجبين إلى أن معظم المثقفين السوريين كانوا من أشد الداعمين لقيم الديمقراطية، والعدالة، والمساواة، والمواطنة. لكن أصواتهم خفتت، بعدما انشغلوا بالدفاع عن الطوائف والزعامات، بدل مواصلة دورهم الطبيعي كناقدين للواقع ومقترحين للحلول المبتكرة، بعيداً عن التكفير السياسي أو إقصاء الآخر.
من جهته، يوضح الكاتب ماهر خميس أن انتصار الثورة السورية يفرض على المثقف استعادة دوره الاجتماعي والفكري والحضاري، بما يقوم على وحدة الوطن ونبذ الطائفية والمناطقية والتحزّب، مع إعادة إنتاج خطاب أدبي وفكري وفني يعكس واقع المجتمع السوري وتطلعاته، في إطار من الحرية التي تضع الوطن فوق الأشخاص والطوائف والقوميات.
كما شدد على أهمية احترام التنوع الثقافي واللغوي والديني والإثني، والتعامل معه كقيمة حضارية تحت مظلة الوطن السوري، من دون إقصاء أو تهميش لأي مكوّن.
ودعا خميس أيضاً إلى تبني إنتاج ثقافي جماعي ومؤسساتي، باعتبار أن معظم النتاج الثقافي السوري ظل فردياً لعقود طويلة، بينما الحاجة اليوم ملحّة إلى عمل جماعي يدمج المكونات الثقافية المختلفة ضمن مشروع وطني جديد.
كما أكد ضرورة إعلاء مبدأ القانون فوق الجميع، والعمل على تطوير القوانين بما يخدم تطور المجتمع، إلى جانب ترسيخ ثقافة الشفافية في العمل الثقافي والمؤسساتي، ودعم المثقفين الجدد لخلق قيمة ثقافية مضافة تُسهم في رفد الثقافة العربية والعالمية، لتعود سوريا مركزاً من مراكزها الأساسية.
أما الأديب أحمد طقش فقد شبّه دور المثقف بأدوار متعددة: فهو رجل إطفاء يطفئ نيران الطائفية، وبستاني يزيل أعشاب التعصب، وممرض يساعد المجتمع على التعافي من أوجاعه. ويرى طقش أن الأديب مطالب بنشر قيم التسامي والسموّ فوق الجراح والصغائر، لأن ذلك هو الضمان الوحيد لنهضة الشعوب.
ويضيف: إن المثقف وقادة الرأي يجب أن يكونوا قاطرة المجتمع، تقوده إلى الأمام في مواجهة المتغيرات المتسارعة عربياً وعالمياً. وهذه المتغيرات تضع السوريين أمام تحديات عسيرة لن يتجاوزوها أفراداً متفرقين، بل بوحدة صفّ حقيقية. لذلك يدعو طقش إلى أن يكون المثقف همزة وصل لا قطيعة، وأن ينشر روح المحبة والتسامح قبل أن يغرق الجميع في طوفان الكراهية. فإما أن نهلك بالصراعات الصغيرة، أو نسمو بالحب إلى آفاق الخلود.
مصعب أيوب