مقالات وآراء

دي ميستورا من جديد!

من خارج سياق التطورات السياسية السورية والإقليمية والدولية أتت زيارة مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة ستافان دي ميستورا الأخيرة إلى سورية، وفي توقيت مغلوط يتجاوز الوقائع الميدانية على صعيد إنجازات الجيش العربي السوري وحلفائه من جهة استكمال حصار المجموعات الإرهابية التكفيرية في الجزء الشرقي من مدينة حلب أتى دي ميستورا محاولاً إحياء الروح في مطلبه الممجوج تكريس إدارة ذاتية لمن سيتبقى من هؤلاء الإرهابيين بعد إخراج قياداتهم ومرافقتهم وضمان أمنهم حتى الوصول إلى بَرٍ آخر يتيح لمشغليهم الاستثمار عليهم في معركة جديدة، وفي مهمة مسدودة الأفق توحي بأن الهدف منها إلقاء حُجَة أخيرة على الحكومة السورية قبيل تقديم تقرير مفصل لمرجعه الدولي ومن وراءه حول عدم رغبة القيادة السورية الإفساح في المجال للقبول بتسوية سياسية-إنسانية مفخخة ورفضها الالتزام بحل يوفر دماء الشعب السوري ويؤسس لتجربة يمكن تعميمها على مناطق أخرى تشهد أوضاعاً مماثلة لوضع مدينة حلب.

إذا، هي ليست زيارة بريئة كما كان دائماً حال زيارات دي ميستورا السابقة من حيث التوقيت المحسوب ممن يحركونه كلما لاحت بوادر تحقيق انتصار نوعي لمصلحة الجيش العربي السوري وحلفائه على إحدى جبهات المواجهة ضد العدو الإرهابي التكفيري، انتصارٌ يعيد رسم التوازنات الإقليمية والدولية على ساحة فرض فيها على سورية وجيشها وشعبها وحلفائها خوض حرب مع منظومة إقليمية ودولية تدعم ما يزيد على مئة مجموعة إرهابية فكيف بحلب المعركة-المفصل في تحديد مسار النصر والهزيمة بدءاً منها وصولاً إلى الموصل فأنقرة وصنعاء؟ وهي أيضاً ليست بريئة من حيث الأهداف الكامنة المرجوة منها من جهة الانتقال إلى العودة لطرح فكرة تجميد القتال غير المشروط السابقة على الجبهات الأخرى في حال نجاح مبادرة «الإدارة الذاتية» تنفيذاً لرغبة دوائر القرار الأميركي الأمنية والعسكرية إيجاد شكل ما من «التعادل» الميداني تعزز موقع التفاوض المؤمل بين الإدارة الأميركية الجديدة في ظل رئاسة دونالد ترامب وبين الند الروسي برئاسة فلاديمير بوتين الذي يتحرك بين موقع وآخر لفرض أجندته الدولية والشرق أوسطية على تلك الإدارة قبيل تسلمها مقاليد الحكم في واشنطن.

أما على المستوى الشخصي، فإن ستافان دي ميستورا بحاجة ماسة إلى تقديم نفسه بصورة أكثر حيوية وفعالية للأمين العام الجديد للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش السياسي البرتغالي المخضرم والقادم مؤخراً من موقع مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين، والأهم من ذلك كله معرفته العميقة ببلدان المنطقة كافة وببعض الدول العربية كمصر. لذا فإن دي ميستورا سيكون مضطراً إلى التعامل بعد شهر كانون الثاني المقبل مع رئيسه الجديد الذي لا يشبه سلفه أبداً في إلمامه بقضايا المنطقة وملفاتها من قرب وتواصله مع الكثير من قادتها ومرجعياتها السياسية. كما أن دي ميستورا سيكون معنياً بتقديم جردة حساب مفصلة عن إنجازاته التي إذا تم التدقيق فيها ستكشف عن أدوار مميزة لبعض فريق عمله نتيجة جهود ومبادرات شخصية من جهة محاولات التخفيف من آلام الشعب السوري، كذلك فإنها سترسم الكثير من علامات الاستفهام حول البعض الآخر من هذا الفريق المرتبط بأجهزة أميركية وإسرائيلية وإقليمية مشبوهة والذي كانت لاستشارات الفريق المذكور وتوجيهات من يديره اليد الطولى في إفشال محاولات أخرى لإنجاز مصالحات وحلول تساهم في تمكين هذا الشعب من استعادة سيادته وأمنه وحقه في تقرير مصيره واختيار قيادته.

بعد بدء غوتيريش مهامه، ألا يجب تعيين ممثل جديد له في سورية؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock