مقالات وآراء

زواج القاصرات قصر في النظر وتقصير في الحماية

موضوع زواج القاصرات الحاضر الغائب في العقلية العربية التي لم تغلق إلى الآن هذا الباب وتسد الذرائع التي تجعله مرفوضاً رفضاً قاطعاً لأسباب كثيرة تجرها معها كالاتجار بالفتيات أو التمتع بالأطفال واستغلالهم أو أسباب ذكورية آخرى قائمة على تقييد النساء منذ الطفولة بأعباء نفسية واجتماعية وأسرية ما يضع القانون في مهب المسؤولية المباشرة عن معاناة الكثير من الفتيات، لكن هذه القضية تعود للواجهة بعد كل تصريح أو إبداء رأي غير مسؤول تقوم به شخصية مشهورة محدودة الاطلاع والمسؤولية الفكرية عما يجره هذا الرأي على مستقبل الفتيات خاصة في مجتمع تقود أفكاره الوجوه والنخب الإعلامية التي قد لا تمتلك الفكر أو الدراية الكافية حول ما تتحدث به، وقادة الرأي أو النخبة الفنية الذين لا يعلمون عن فلك الحياة الاجتماعية سوى مجال عملهم أو ما تقتضيه شهرتهم من محاباة لتقاليد وعادات الفئة العظمى من جمهورهم، هذه النخبة الوهمية هي أخطر شريحة يتأثر بها المجتمع ويبني معتقداته وفقا لتأثره بها والاستئثار باهتماماتها وأرائها واتباع منظومتها بالانقياد الأعمى.

بالعودة للقضية.. الإنسان ينمو بالنضج النفسي والعقلي والانفعالي وليس فقط بارتفاع تضاريس الجسد، فالأطفال لا يصلحون للزواج بدنياً ولا عقلياً لأن الزواج ليس مجرد عملية جنسية، ومن الخطأ والمصيبة التفكير بتزويج الأولاد لمجرد التماس أولى علامات بلوغ الجسد، فالزواج ينتج أسرة تحتاج إلى العقل والاستقرار لاستمرارها وإنضاجها، وعليه فالأطفال لا يربون أطفال ولا يصنعون عائلات مستقرة.

الهروب الأسري من التعامل مع (الفورة الجسدية) للمراهقين بتزويجهم هو أسلوب دفاعي يصلح لفترة مؤقتة لكنه، بالمقابل يحرم الشخص (ذكر أو أنثى) من مرحلة انفعالية عاطفية نفسية تؤسس لتكوين ونضج الشخصية وتفويت الفرص العملية والتعليمية التي تشكل مرتكزات النجاة في منتصف العمر عدا الخطورة الصحية للحمل المبكر على أجسادهم الغضة.

الإنسان يتعلم وينضج بالخبرة الحياتية وليس بمرور العمر، والنضج النفسي ضروري لاتزان الشخصية ولا يكتمل دون المرور بمرحلة الثورة الجسدية في فترة المراهقة وخاصة الدوافع الطفولية التي تكسب الشخص الآلية التي سيتعامل فيها مع جسده فيما بعد، وهي دوافع مهما جاهدنا بكبتها وتجاهلها فستعاود الظهور بأي مرحلة من مراحل حياة الإنسان، لذا من الضروري إيجاد الأسلوب الصحي المناسب للتعامل مع هذه الدوافع بوقتها كضرورة لثبات وتوازن الشخصية، حيث يرجح أن أغلب الاختلالات النفسية والشخصية تنشأ من هذه النقطة تحديداً وهي كبت الدوافع أو تربيتها الخاطئة.

الزواج المبكر مرتبط بالدرجة الأولى بالهروب من التعامل مع الجسد ومتطلباته والنظرة السلبية نحوه وخاصة الفتيات، وما دام الجسد هو عقدة المجتمعات العربية ستبقى مسألة تزويج القاصرات شغلها الشاغل ولن ننجح برفع سقف الوعي بخطورتها والحد منها ما لم نبدأ من التصالح مع عقدة الجسد وثنائية المرأة والجنس.

وفا أحمد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock