اقتصاد

سعر الصرف أولاً

الواضح أن مسألة سعر الصرف لا تأخذ حقّها في إدارة اقتصاد البلد، حتى إن الكثير من الاقتصاديين يعتقدون أن سعر الصرف هو مجرد نتيجة للواقع الاقتصادي، وبالتالي لا يجب أن يتم التركيز عليه، بل في المؤشرات الاقتصادية الأخرى، والتي تؤسس على الإنتاج فقط، وكما أذكر أن هذا الكلام يحظى بقبول الحكومة.
قد يبدو ذلك الكلام منطقياً، وفقاً للمناهج الاقتصادية التقليدية، إلا أن الأكثر دقة هو النظر إلى الموضوع بشكل شمولي، فصحيح أن سعر الصرف نتيجة، لكنه بالوقت نفسه مؤثر أيضاً في عدد كبير من المؤشرات الاقتصادية، ويمتاز بسرعة التأثير فيها، وفي شمولية التأثير، كما أن تصحيح تلك الآثار على المستوى الاقتصادي يحتاج إلى وقت ليس قليلاً، وتستغرق دورات تجارية وإنتاجية وحتى اقتصادية أحياناً، وأكثر.
بالمثال، عندما يرتفع سعر الصرف خلال ساعات في سورية «يعبر عنه بارتفاع سعر الدولار أمام الليرة نظراً لانخفاض قيمة الليرة»، مباشرة ترتفع أسعار السلع والخدمات بنسب أعلى، نظراً لإضافة نسبة تحوط لاحتمال استمرار ارتفاع سعر الصرف وتجنب الخسارة من وجهة نظر التجار، ما يعني انخفاضاً أكبر في الدخول الحقيقية، والتي يعبر عنها بانخفاض القدرة الشرائية للمواطنين، وبالتالي انخفاض كمية وجودة الاحتياجات المعيشية التي تتم تلبيتها، وهذا يعني سوءاً في الصحة والتعليم، إضافة لانخفاض قيمة الودائع في المصارف بنسبة ارتفاع سعر الصرف نفسها، وارتفاع تكاليف الاستيراد، والتي أكثر من 70% منها مستلزمات إنتاج ومواد أولية، وبالتالي ارتفاع تكاليف الصناعة.
كما تزيد تكاليف تأمين المواد الأساسية من غاز ومازوت ودقيق وبنزين.. وغيرها، من المواد التي تؤمنها الدولة للمواطنين بشكل مدعوم، ما يعني تردي الخدمات العامة.
أما استمرار ارتفاع سعر الصرف، وعدم استيعابه مباشرة، فيعطي إشارات بأن لا أدوات نقدية قادرة على التعامل مع سعر الصرف، ولا إمكانيات لدى الحكومة في ضبط سعر الصرف كما يجب، وتحولها إلى سياسة إطفاء الحرائق، بالتعامل مع نتائج ارتفاع سعر الصرف في الأسواق والأنشطة الاقتصادية، من دون جدوى فعلية طبعاً، وهذا يزيد من مخاطر الاقتصاد.
أما التعامل مع الموضوع من منطلق الصدمات، بحيث يرتفع سعر الصرف بشكل كبير، ليعاود الانخفاض الحاد بعد ساعات أو أيام، وتكرار هذه الحالة عدة مرات في الشهر، فهذا أخطر من الارتفاع، لأن التقلبات الحادة تزيد من المخاطر، وتنشط المضاربات للتربح من التغيرات المهمة في سعر الصرف، بالاتجاهين، كما تضر البيئة التجارية والاستثمارية، فيتم تعليق الاستيراد ريثما يتضح اتجاه سعر الصرف، كما يبتعد المستثمرون لزيادة المخاطر وعدم وضوح الرؤية الاقتصادية.
إذاً، وبناءً على ما سبق، أعتقد بأن المؤشر الاقتصادي الذي يجب أن يحظى بأعلى درجات اهتمام الحكومة اليوم هو سعر الصرف، لضبط تقلباته ضمن هامش ضيق، وهذا يعني التوقف عن التعامل مع سعر الصرف بأنه نتيجة فقط، وتقديمه ليصبح أولاً في أولويات الحكومة.
وكما أن ارتفاع درجة حرارة الجسم هي نتيجة لمرض ما، فإنها حين ترتفع بشكل كبير تولّد تداعيات ليست هينة على الجسم، كذلك سعر الصرف، هو نتيجة، ومؤثر في الوقت نفسه.
طبعاً التعامل مع سعر الصرف ليس أمراً نقدياً أو مالياً بحتاً، وإنما مرتبط بالإدارة العامة للاقتصاد، وعليه فإن اكتفاء الحكومة بتلقف تغيرات سعر الصرف فقط لم يعد نافعاً، مطلقاً.

علي نزار الآغا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock