مقالات وآراء

سيناريو «قوات دولية لحصار لبنان»: هل هناك ما هو أسوأ؟

في خطابه قبل أيام كان لافتاً أن يحذّر الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله مما سماه سعي غربي للسيطرة على لبنان ببدعة ما يسمى القوات الدولية التي قد يتم إرسالها لمراقبة الحدود اللبنانية بعد تكرار الاتهامات الإسرائيلية للمقاومة اللبنانية باستخدام مرفأ بيروت لنقل السلاح من إيران، تحذيرات تستمد أهميتها من قاعدة أن شخصاً كنصر اللـه لا يتكلم من فراغ ولا يسعى فقط إلى تعبئة العبارات بالخطاب، فإلى أي حد يمكننا أخذ تحذيرات كهذه على محمل الجد؟ وهل يبدو الخطر على لبنان اليوم جدياً؟ وضمن أي إطار؟
مبدئياً، لنعترف أننا في هذا الشرق البائس نواجهُ منذ عقودٍ عدواً يمتاز بالمرونة اللازمة لتبديل تكتيكاته بواقعيةٍ تفترضها مجريات الأحداث في سعيه لتحقيق أهدافه، هذه المرونة تستند إلى عدة ثوابت من بينها مثلاً أنه لم يتعرض واقعياً لأي نوعٍ من الخسارات الملموسة تحديداً منذ دخول المنطقة حمام الدم المسمى الربيع العربي، كذلك الأمر تعدد القدرات على التأثير في الطرف الآخر لكونه يمتلك الكثير من الأدوات يصطفي منها بالنهاية الأقدر على الصمود، إن كانَ بالضرب عرضَ الحائط بكل المواثيق والأعراف الدولية، أو بالقدرة على الاستثمار بالطاقات البشرية ضمن الهدف الذي يصوب عليه فيحولهم إلى مطيَّة لتسهيل الاحتلال والسيطرة.
في الحالة اللبنانية يبدو حزب الله عملياً هو المبتدأ والخبر، وكل ما هو دونه لا يعدو كونه علامات ترقيم يختار منها العدو ما يفيد في إظهار جمالية نص الدمار الذي يخطّه، فلا حرب تلوح في الأفق أو بالأصح لا قدرة عملياً لا لإسرائيل ولا للولايات المتحدة على إنهاء هذه الحالة بالقوة، لأن كل هذه الطروحات سقطت عملياً مع سقوط أسطورة الميركافا الإسرائيلية في صيف 2006، كذلك الأمر لا يمكن للأميركيين كما جرت العادة التدخل في الانتخابات ومحاولة الضرب من تحت حزام المقاومة في بيئتها الحاضنة، لأن هذا الحلم يشبه حلم الإرهابي رجب طيب أردوغان باستعادة حلم سلطنة الإجرام العثمانية، هذا التماسك الإعجازي الذي تبديه المقاومة وبيئتها الذي كبّد العدو الخسارة تلوَ الأخرى قد يدفع بالمتضررين إلى البحث عن حلٍّ ينبثق من سيناريوهات جرى استخدامها مسبقاً وأدت مفاعيلها، ترتكز إلى فكرة أساسية وهي التفجير من الداخل، وبمعنى آخر: منذ الأشهر الأولى للحرب على سورية هناك من كان يبشرنا بسيناريو لبناني في سورية يجتر اتفاق الطائف بصيغته المذهبية، اليوم هناك من قد تعجبهُ الفكرة بالاستثمار بالسيناريو السوري الذي قادنا إلى كل هذا الخراب والدمار في لبنان، فكيف ذلك؟
قبل أيامٍ استدعت مملكة آل سعود إليها ثلاثة من رؤساء الوزراء اللبنانيين السابقين، بالتأكيد القضية وفق المعلومات المتوافرة بدت أبعدَ من مجرد زيارة لتعميق العلاقات الأخوية مع مملكة تظن نفسها من يستحوذ على ما يسمونه «القرار السني» في لبنان، القضية تبدو عملياً كنوعٍ من استمزاج الآراء حول ما يراد تطبيقه في لبنان بقرار أميركي يريد عملياً الوصول للهدف بمعزل عن الوسيلة.
الفكرة قد تبدأ بعملية استبدالٍ عاجلة لرئيس الوزراء الحالي سعد الحريري، ولا تنتهي عند تفجير الوضع الداخلي بطريقةٍ تشبه السيناريو الذي رافق التخلص من الحريري الأب، هذا الحدث كان ولا يزال المنعطف الكبير الذي كان لاستثماره نتائجَ ذهبية بمجالاتٍ عدة، أولاها رفع وتيرة الشحن الطائفي في المنطقة والسحب الشكلي لفرضية «الغطاء السني» للمقاومة تحديداً أن المرحلة اليوم تبدو عملياً أسهلَ بكثيرٍ لما كانت عليه عشية عيد الحب 2005، فالحريري الابن تم اغتياله باغتيال إرادته عشرات المرات منذ دخوله العمل السياسي لدرجةٍ باتَ فيها مجردَ رقمٍ في الحاشية السعودية يصفعه فيها ولي عهد أو يشتمه مدير مكتبه، القضية هنا لا ترتبط فقط بالكيمياء المفقودة بينه وبين ولي عهد آل سعود محمد بن سلمان كما يحاول البعض تسخيفَ الأمر، القضية مرتبطة حكماً بمتطلبات المرحلة كما يريدها الأميركي.
قد لا نختلف إطلاقاً على فرضية أن حالة اللا حرب واللا سلم هي الوضع الذي يناسب سياسات الولايات المتحدة وما تتعرض لهُ من انتكاساتٍ مستمرة، هذه الفكرة أدت مفعولها الجيد مع كل الدول التي لم تكن في الصف الأميركي وتم استهدافها، من ليبيا حتى اليمن وصولاً إلى سورية، فكانت سياسة الاستثمار في الفوضى هي المفتاح لكل ذلك ولكي تتضح الحقيقة أكثر لنرى الأمر بصورةٍ معكوسة: ماذا لو أن الولايات المتحدة كانت قد قررت شنّ حروب على كل من ليبيا وسورية واليمن لقلب «أنظمة»؟ أيهما سيكون أكثر نجاعة الدخول بحالة حربٍ مع الجيش العربي السوري مثلاً أم الدخول من الأطراف وقضم الأهداف تلو الأخرى، هل كان الأميركي سيحلم يوماً بالسيطرة على منابع النفط السورية لو خاض حرباً مباشرة تؤدي إلى خلق حالةٍ انفصالية كما تلك القائمة حالياً؟
هذا السيناريو اليوم يجري العمل على تطبيقه في لبنان بطريقة تتناسب مع الحالة اللبنانية تجعل فيها عملية خنق المقاومة هدفاً، لكن في الوقت ذاته هناك من يستبعد هذا السيناريو لسببين أساسيين:
السبب الأول، وهو الاستسلام لفرضية أن المقاومة جاهزة لحماية لبنان، لكن هذا السبب قد يبدو عملياً تراجيديا مملة، فلبنان اليوم يختلف عن لبنان 2000 ولبنان 2006 وإذا كنّا سلمنا بقدرات المقاومة على الصمود بوجه أي مغامرة إسرائيلية في المنطقة، فإن التفكير بتطوير العدو لآليات السيطرة انطلاقاً من فرضية إشغال المقاومة أو جعلها خصماً مع المجتمع الدولي بذرائعَ مختلفة قد يبدو أمراً يُسيل لعاب المتعطشين للثأر.
السبب الثاني، وهو الاستسلام لفكرة أن هناك اتفاقاً دولياً بعدم تفجير الوضع في لبنان، ضمانات ووعود واستنتاجات يكررها معظم السياسيين اللبنانيين، انطلاقاً من فرضية الحرص على لبنان ومصلحة لبنان بل هناك من يذهب أبعد بشوفينيته ليحدثنا عن الحرص على «الدور المسيحي في لبنان»، هذا الحرص قد لا يوازيه إلا ادعاء بابا الفاتيكان الحرص على دماء السوريين، وكأن هذا الغرب الذي يعتقدون أنه «مسيحي» لن يسمح مستقبلاً بمجازر ضد المسيحيين، أو على أساس أن هذا الغرب لم يمارس فاشيته ضد المسيحيين، وكأن الفاتيكان ذات نفسه لم يكن أحد المشاركين الأساسيين بعملية تهجير المسيحيين من هذا الشرق عندما كان يدين الإرهاب التكفيري الذي يضطهدهم ويصمت عن دعاة الإنسانية الذين دمروا بلداناً وقتلوا وشردوا الملايين، فماذا ينتظرنا؟
إن فرط القوة الذي تمتلكه المقاومة اللبنانية والذي بدا عصياً على الاستهلاك رغم تآمر القاصي والداني عليه قد يدفع الأميركي تحديداً إلى انتهاج فرضية أن آخر العلاج الكي، هذا الكلام ليسَ للتهويل وليس للاستهلاك، لكن من تسقط لديه كل أشكال القيم لا يمكن الائتمان لما قد يراه من وسائلَ نجحت في الكثير من الساحات، والساحة اللبنانية لن تكون بمنأى عن ذلك ما دامت المواد الأولية لنجاح هذا المشروع متوافرة وبكثرة، بل إن إعادةَ إنتاج سيناريو كهذا قد يبدو عملياً مثير للاهتمام، ماذا لو استبدلنا التحالف الدولي لمحاربة «داعش» الذي دمر مدناً كاملة كالرقة ودير الزور بتحالفٍ مماثل بهدف ضبط الحدود السورية اللبنانية، السؤال هنا لن يتركز حول شرعية تحالفات إجرامية كهذه من عدمها، السؤال: من سيعترض؟
سابقاً قيل إن لبنان أكبر من أن يُحتل وأصغر من أن يتم تقسيمه، لنفكر بهذه العبارة ونتساءل:
أليس قابلاً للحصار؟ نجح السيناريو وفكرة الاستخلاص منه ممكنة فهل المقاومة جاهزة لكل هذه السيناريوهات؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock