صندوق التنمية السوري.. تعزيز لدور المواطن كشريك في التنمية وإعادة الإعمار

في قلب التحولات التي تعيشها سوريا بعد التحرير، يشكل انطلاق “صندوق التنمية السوري” مبادرة استراتيجية تتجاوز مفهوم التمويل التقليدي، لتصبح أداة وطنية لإعادة التوازن الاقتصادي، وتحفيز الاستثمار المحلي، وتعزيز دور المواطن كشريك في التنمية وإعادة الإعمار، حيث تتقاطع الطموحات الشعبية مع السياسات الرسمية نحو صياغة نموذج اقتصادي وطني متوازن ومبني على الشراكة المجتمعية.
وأهم ما يميز صندوق التنمية الذي انطلق في أغلب المحافظات السورية أنه ليس مجرد أداة مالية لتمويل مشاريع تنموية جزئية، بل إطار استراتيجي يهدف إلى توجيه الموارد نحو القطاعات الإنتاجية الأساسية، مثل الزراعة والصناعة الصغيرة والمتوسطة والطاقة المحلية، وهو بذلك يشكل انتقالاً واضحاً من مرحلة الاقتصاد المعتمد على المساعدات والإغاثة، إلى نموذج يعتمد على الذات ويشرك المواطن في صناعة المستقبل، لا كمستفيد فقط، بل كشريك في التنمية.
وفي ظل التحديات الداخلية والضغوط الاقتصادية الخارجية، يعد تأسيس الصندوق رسالة سياسية واضحة، مفادها أن سوريا قررت الاعتماد على مواردها وكفاءاتها الذاتية، وفتح الباب أمام المبادرات الأهلية ورؤوس الأموال الوطنية، بدل البقاء في حالة انتظار الدعم الخارجي المشروط سياسياً، هذا التوجه يعيد الاعتبار للداخل السوري كفاعل أساسي، وليس كملحق في معادلات الخارج.
وفي هذا السياق، شكل منتدى الاستثمار السوري السعودي، خطوة جريئة لكسر العزلة وفتح آفاق التكامل الاقتصادي العربي على أساس المصالح المشتركة، ثم تبعه منتدى رجال الأعمال الذي جمع طيفاً واسعاً من المستثمرين السوريين في الداخل والخارج، ما يعكس استعداد رأس المال الوطني للمشاركة في إعادة بناء الاقتصاد من جديد، إذ لا تكتفي هذه المنتديات بطرح المشاريع، بل تعزز مناخ الثقة وتؤسس لشبكات تعاون يمكنها تحريك عجلة الاقتصاد خارج القنوات التقليدية.
كما أن انخراط مبادرات المجتمع الأهلي في صندوق التنمية، سواء عبر التمويل أو التنفيذ أو الرقابة المجتمعية، يمنح المشروع مصداقية شعبية ويؤسس لاقتصاد محلي متجذر، يقاوم الفساد والتهميش ويعيد توزيع الثروة بشكل أكثر عدالة في إطار من الشفافية والمحاسبة، وهنا تبرز أهمية صياغة سياسات داعمة، تشجع التمويل المحلي وتحمي المشاريع الصغيرة وتضع رؤية شاملة لسوريا ما بعد التحرير.
وأخيراً، من المؤكد أن صندوق التنمية السوري ليس مجرد عنوان مالي، بل مؤشر لتحول اقتصادي استراتيجي نحو استعادة المبادرة، وتحقيق طموحات الشعب السوري في بناء دولته بيد أبنائه، لا بانتظار المعونات، بل بالاعتماد على العقل والعمل والانتماء.
الوطن