عام على التحرير.. نمط جديد من السياسة الخارجية أساسه الشراكة لا الاصطفاف والانفتاح المدروس لا الاندفاع

في قلب السياسة الخارجية السورية، وبعد التحرير، تجسدت فكرة الشراكة التي لا تقتصر فقط على تحالفات أو اصطفافات ضيقة، حيث حرصت دمشق على بناء علاقات مع جميع الأطراف المعنية بما يتماشى مع مصالحها الاستراتيجية، في الوقت الذي تعمل فيه على تقليل الحساسيات والتجاذبات الإقليمية التي قد تؤثر سلباً في استقرار المنطقة.
الخبير الاقتصادي د. يحيى السيد عمر قال في تصريح لـ”الوطن”: تَمُرّ الذكرى الأولى للتحرير بينما تقف الدولة أمام منعطف سياسي جديد، مُحمَّلة بتغيرات عميقة شهدها العام الماضي على الصعيدين الداخلي والخارجي، فهذه السنة لم تكن مجرد مرحلة انتقالية، بل شكَّلت اختباراً حقيقياً لقُدْرة الدولة على إعادة بناء العلاقات الدولية بعد سنوات من العزلة”.
وأوضح الدكتور السيد عمر أنه مع تدرُّج التعافي الداخلي، بدأت ملامح سياسة خارجية جديدة تتشكل، محكومة بضرورات الاستقرار من جهة، ورغبة في استعادة الدور الإقليمي من جهة أخرى.
وأشار إلى أنه منذ اللحظة الأولى التي تلت التحرير، بدا واضحاً أن الأولوية الكبرى كانت تثبيت حضور الدولة، وإعادة ترميم شبكة العلاقات الدبلوماسية التي تأثَّرت خلال سنوات الأزمة، ولم تكن هذه المهمة سَهْلة، إذ تزامنت مع بيئة دولية مضطربة وتحوُّلات إقليمية متسارعة. ومع ذلك أظهَر العام الأول قُدرة الدولة على استعادة موقعها الإقليمي والدولي، من خلال مقاربة تقوم على التهدئة، وإعادة بناء الثقة، وتعزيز الحوار مع القوى الفاعلة إقليمياً ودولياً.
وتابع الدكتور السيد عمر: “أبرز ما مَيَّز السياسة الخارجية خلال العام الجاري هو الانتقال الواضح من نَهْج الاصطفاف إلى تبنّي مبدأ الشراكة المتوازنة، فبدل الدخول في أحلاف جديدة أو الانحياز إلى محاور قائمة، اختارت الدولة مساراً يقوم على التواصل مع جميع الأطراف من دون الدخول في التزامات سياسية أو عسكرية قد تُقيِّد القدرة على المناورة.. ومنح هذا التحوُّل السياسة الخارجية مساحة أوْسَع للتَّحرُّك، كما تَميَّز العام الأول بانفتاحٍ مدروس على الدول العربية، وهو انفتاح أعاد قنوات الحوار التي تَجمَّدت لسنوات”.
وشدد على أنه رغم أن الطريق لا يزال طويلاً، فإن الخطوات التي تحقَّقت على صعيد العلاقات الثنائية أظهرت رغبة مشتركة في تجاوز إرث الخلافات، والانطلاق نحو تعاون يَخْدم الاستقرار الإقليمي، وفي الوقت نفسه حافظت السياسة الخارجية على توازن مع القوى الدولية المؤثرة، مُعتمِدَة خطاباً يُركِّز على مصلحة وسيادة الدولة، ويرفض الدخول في صراعات لا تمتلك البلاد مصلحة مباشرة فيها.
وقال الدكتور السيد عمر : “مع كلّ هذه الإيجابيات، تبقى التحديات حاضرة بقوة، وخصوصاً تلك المرتبطة بموروث النظام السابق، فقد تركت سنوات طويلة من العلاقات الخارجية المأزومة فجوة ثقة تحتاج إلى وقتٍ وجهد لإعادة الترميم، كما أن البيئة الدولية الحالية لا تساعد على بناء شراكات طويلة الأمد بسهولة، في ظل تنافس القوى الكبرى وتَغيُّر الأولويات، ويُضاف إلى ذلك ضرورة تحديث أدوات العمل الدبلوماسي، وتعزيز القدرات المؤسسية بما يمكّن الدولة من مُواكبة التحولات السياسية والاقتصادية التي يشهدها الإقليم والعالم، والتحدي الأكبر ربما يكمن في قدرة السياسة الخارجية على الاستمرار في هذا النهج المتوازن من دون الانجرار إلى ضغوط المحاور أو استقطابات القوى الدولية، فالمنطقة تعيش لحظة حساسة، ومعادلات النفوذ فيها تتبدَّل باستمرار، ما يتطلَّب دبلوماسية مرنة تَستند إلى رؤية واضحة وقرار مستقل، وتستطيع في الوقت نفسه بناء علاقات تعاون تحفظ المصالح الوطنية وتدعم مسار التعافي الداخلي”.
وختم: “في المُحصّلة، يمكن القول إن العام الأول بعد التحرير وضَع الأساس لنمطٍ جديد من السياسة الخارجية يقوم على الشراكة لا الاصطفاف، وعلى الانفتاح المدروس لا الاندفاع، وعلى الواقعية من دون التفريط بالثوابت، ورغم التحديات يبدو الطريق مُهيَّأ لتَطوُّر أكبر خلال السنوات المقبلة، إذا استمرت دمشق في اعتماد هذا النَّهْج المتزن الذي يُوازِن بين ضرورات الأمن واعتبارات الدور الإقليمي والدولي.
ولا شك بأن الانفتاح الخارجي لم يكن مجرد خيار تكتيكي، بل هو جزء من رؤية استراتيجية تهدف إلى تعزيز مكانة سوريا على الساحة الدولية. ومع ذلك فقد تجنبت الإدارة الجديدة الاندفاع غير المدروس في علاقاتها الخارجية، ليتم التركيز على انفتاح متوازن، يأخذ في الاعتبار الأمن القومي، ويعزز أطر التعاون المشترك في مجالات الاقتصاد والتنمية.
منذر عيد