مقالات وآراء

عكاز خشبي للعيون العرجاء

عكاز خشبي لتلك العيون العرجاء، الآذان العرجاء، الأدمغة العرجاء!
في القارة العجوز، حيث طوابير من الإعلاميين والمثقفين ما زالوا يقتاتون، جيوسياسياً، من فتات القرن التاسع عشر، لا تكاد تعثر على كتاب يتناول خلفيات وأبعاد الأزمة في سورية، من دون الانحياز الميكانيكي إلى البرابرة، إلى رعاة البرابرة.
لا فارق هنا بين برابرة الكهوف وبرابرة الأبراج. أن تكون سورية، بكل بهائها، رهينة التقاطع بين لعبة الأمم ولعبة القبائل. حتى في باريس، مدينة روسو، وفولتير، ومونتسكيو، تفاجأ بذلك الطراز من الكتّاب، والصحفيين، والمثقفين، الذين يتأرجحون بين براثن آلان فينكيلكروت وبراثن برنارـ هنري ليفي، بكل تلك الحمولة التوراتية. ما تقوله في دمشق وأهل دمشق.
صداقة مهنية وثيقة تربطني بمراسلين أوروبيين. هؤلاء يلمون بكل تفاصيل الأزمة السورية. كيف تمت صياغة ذلك السيناريو، بالتنسيق الاستخباراتي والديبلوماسي والمالي والإستراتيجي، لتقويض الدولة في سورية. معلومات مذهلة حول حدود التواطؤ بين أطراف عربية والأتراك والإسرائيليين، فضلاً عن الأميركيين والأوروبيين، لتفكيك المجتمع السوري قطعة قطعة، وإنشاء دويلات هجينة تكون بمنزلة شبكة الأمان حول الهيكل.
المراسلون يشتكون من الضغط النفسي والمادي والمهني الذي يتعرضون له، إن قاربوا حتى نصف الحقيقة. أحدهم كتب على صفحته، عن «عذاب النص». العقاب كان الإبعاد إلى الحدود الكولومبية مع فنزويلا.
عندنا أيضاً قصور مروع في مواجهة التسونامي. أحدهم علّق، تلفزيونياً، على التهديد الفرنسي، رداً على مهزلة الكلور، بالقول: «إن فرنسا لا تزال تتعلق بأهداب الإمبريالية». هكذا، وانتهى الأمر.
لم يقل إن غي موليه أهدى صديقه دافيد بن غوريون مفاعل ديمونا، وعهد إلى خبراء فرنسيين مساعدة تل أبيب على صناعة القنبلة، وأن فرنسا بقيت تجري، لفترات طويلة، التجارب النووية في الصحراء الجزائرية.
الآلاف سقطوا أو تشوهوا بتأثير النظائر المشعة. لم يقل إن فرنسا تواطأت مع بريطانيا وإسرائيل في الحرب على مصر عام 1956. سلاح الجو الإسرائيلي كان يفاخر بطائرات «السوبر ميستير» الفرنسية على أنها… نجمة الهيكل.
لم يقل إن الرئيس الفرنسي الأسبق شارل ديغول شعر بالعار لأن الحاخامات رأوا في طائرات «الميراج»، وهي من إنتاج شركة مارسيل داسو، الطيور البيضاء التي تحدثت عنها الميتولوجيا اليهودية. البشرى بالعودة، على حد السيف، إلى أرض الميعاد.
مشكلتنا أن الإعلاميين والمثقفين، في بلدان عربية تدار أميركياً عن بعد، يتفاعلون على نحو صارخ، وفضائحي، مع ما يكتب، وما يقال، حتى داخل المحافل الإسرائيلية. لا تعنيهم البتة أي قضية سوى قضية العروش التي يقبعون في ظلها.
من أجل سورية القضية، امتنان للأصدقاء العرب الذين اتصلوا بي، ودعوا إلى تشكيل لوبي من الإعلاميين، والمثقفين، العرب، للوقوف إلى جانب سورية.
أجل، لوبي عربي من أجل سورية. ندرك ماهية الدور الأخطبوطي للمؤسسة اليهودية، مثلما ندرك مدى الهوة بين إمكانات الإمبراطوريات الإعلامية وإمكاناتنا، لكننا عقدنا العزم على أن نقاوم النيوبربرية بمظاهرها الباذخة، بكبرياء الأمة، وبكبرياء اللغة، وبكبرياء الموقف. هذا ما تحتاج إليه سورية. سورية قضيتنا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock