عملة جديدة.. أصفار أقل وتحديات أكبر

في خطوة تهدف إلى طي صفحة الماضي وتبسيط التعاملات النقدية، يأتي قرار المصرف المركزي بإصدار عملة جديدة بحذف صفرين من العملة الحالية، وسط تناقض بين المعلومات الرسمية والصور غير الصحيحة للعملة الجديدة المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي. بينما يرى خبراء أن هذه الخطوة رمزية تنطوي على مخاطر جسيمة إذا لم تكن مدعومة بإصلاحات اقتصادية حقيقية.
الخبير المالي والمصرفي الدكتور عبد الله قزّاز يرى أن إصدار العملة السورية الجديدة بحذف صفرين خطوة رمزية تهدف إلى إزالة رموز النظام البائد وتبسيط التعاملات دون تغيير الكتلة النقدية الحقيقية أو قيمتها الشرائية، حيث تصبح 10,000 ليرة القديمة تعادل 100 ليرة جديدة، ما يقلّل الحاجة إلى حمل كميات كبيرة من الأوراق النقدية.
مضيفاً: ومع ذلك، يتطلب الاستقرار النقدي إجراءات موازية مثل ضبط العجز المالي وتعقيم السيولة الزائدة، إذ قد يؤدي الإصدار دون إطار اقتصادي متكامل إلى تسارع التضخم وفقدان الثقة إذا زاد طبع النقود.
وتوقّع الخبير المصرفي أن تكون الفئات الثمانية الجديدة هي: (1-5-10-25-50-100-200-500) ليرة سورية، ويرى إن إطلاق الفئات الصغيرة (1-5-10-25-50) ليرة يساعد في تسهيل المعاملات اليومية الصغيرة، ويُمكّن المصرف المركزي من مراقبة تدفق السيولة بشكل أدق، لكن قدرته على إعادة ضبط الأسعار محدودة من دون منظومة رقابية صارمة وأسواق مستقرة، ولا تعكس هذه الفئات ثقة فورية بمكافحة التضخم، بل تتطلب دعماً بسياسات نقدية لمنع التوسع في الكتلة النقدية، حيث يُخاطر الاقتصاد بدولرة أكبر إذا فشلت في استعادة الثقة.
أما بالنسبة لمخاطر إصدار فئة 500 ليرة في المرحلة الأولى (والتي تعادل حالياً 50000 ليرة) فاعتبر قزّاز أنه قد يُفسر كإشارة إلى استمرار التضخم، ما يثير توقعات تضخمية لدى المواطنين ويسرّع ارتفاع الأسعار بدلاً من كبحها، وخاصة في بيئة تتسم بفقدان الثقة بالليرة. ويعتمد التأثير على التواصل الواضح والإصلاحات المصاحبة، إذ قد يؤدي إلى ارتباك أولي في الأسعار والحركة التجارية إذا لم يُدار جيداً.
ولفت إلى أن الجهاز المصرفي يواجه مخاطر في تقييم الأصول والودائع والديون، ما يستدعي إعادة تقييم رأس المال والأصول والخصوم والأرباح المدورة في الشركات، ويفرض إعادة هيكلة أو زيادة رأس المال.
وأضاف قزّاز: كما يزيد إصدار فئات كبيرة مثل 200 أو 500 من خطر التزوير أو الاحتيال في ظل وجود سيولة خارج البنوك تصل إلى 40 تريليون ليرة، وقد يُشير ذلك إلى اختلال هيكلي إذا لم يُرافق بتعزيز الثقة والإصلاحات.
ونوه الخبير المصرفي بأن إصدار الفئات النقدية الصغيرة الجديدة يسرّع المعاملات السوقية اليومية من خلال تمكين الدفع بدقة دون الحاجة إلى تقريب الأسعار أو وزن الأوراق النقدية الكبيرة، كما يحدث حالياً مع الفئات القديمة التي تستغرق وقتاً طويلاً في العدّ بالإضافة إلى رفضها وعدم قبولها من قبل التجار والمواطنين بسبب قدمها واهترائها، وهذا يقلّل من الازدحام في الأسواق وأمام الصرافات ويحسّن كفاءة التداول، وخاصة في الصفقات الصغيرة مثل الخبز أو النقل، حيث يصبح التعامل أسرع وأقل تعقيداً.
كما يرى قزّاز أنّ إصدار العملة السورية الجديدة خطوة جيدة من خلال استبدال الأوراق النقدية التالفة والمتهالكة بأخرى حديثة ذات متانة أعلى، ما يحسّن انسيابية التداول اليومي دون زيادة الكتلة النقدية الحقيقية، ويوفّر سيولة للمصارف التي عانت خلال العام الفائت من مشكلة السيولة، مضيفاً: إنه توجد أموال ضخمة تم تهريبها من قبل أعوان النظام البائد إلى خارج سوريا، ويعزّز كفاءة السياسة النقدية للمصرف المركزي عبر مراقبة تدفق السيولة بدقة أكبر، ويحدّ من مشكلات نقص السيولة النسبي الناتج عن تآكل العملة القديمة.
وعلى الجهة المقابلة يتوقع بعض الخبراء الماليون أن يرفع الإصدار مستوى الثقة بالليرة والنظام المصرفي، ما يشجّع تحويل السيولة غير المصرفية إلى ودائع، ويُمكن إصلاحات أوسع لدعم النشاط الاقتصادي دون توسع تضخمي، كما يقلّل تكاليف الطباعة المستقبلية ويحمي من التزوير بتقنيات حديثة، ما يدعم استقرار السيولة على المدى المتوسط وطويل الأجل.
ومن المؤكد أن الإصلاح النقدي الناجح يحتاج إلى أكثر من طباعة أوراق جديدة؛ فهو يحتاج إلى استعادة الثقة عبر سياسات اقتصادية كلية متكاملة، وإلا فسيبقى مجرد إعادة ترقيم لمشكلة قائمة، مع خطر تفاقمها. فالنجاح الحقيقي سيكون في تحويل هذه الخطوة التقنية إلى نقطة انطلاق لإصلاح اقتصادي شامل، وليس مجرد تغيير شكلي يخفي الأزمات الهيكلية العميقة التي يعاني منها الاقتصاد السوري.