العناوين الرئيسيةسوريةسياسة

عندما فقدت (BBC) البوصلة المهنية وتحولت إلى أداة تضليل

لم تعد هيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، تحتفظ بمعاييرها المهنية أو الموضوعية، بعدما تكشفت سلسلة من الفضائح التي طالت طريقة تغطيتها للأحداث في سوريا وفلسطين والعالم، فالهيئة التي اعتاد الجمهور أن ينظر إليها باعتبارها “مدرسة الصحافة المحترفة”، تحولت إلى منصة مسيسة تمارس التزييف الممنهج وتخدم أجندات تتنافى مع روح الصحافة الحرة.

ففي الملف السوري، دأبت  (BBC)  على بث تقارير منحازة ومضللة لمصلحة النظام البائد منذ بداية الثورة السورية، ركزت فيها على تأجيج الانقسام الطائفي والمناطقي بدلاً من نقل الصورة الكاملة، وبعد التحرير واصلت القناة تضليلها للحقائق، وأحد أكثر الأمثلة فجاجة كان تقريرها منذ أيام بعنوان «قُتلوا لأنهم علويون»، الذي كشف حقيقتها وعرى مصداقيتها، ففي التقرير، تقول إحدى الأمهات المكلومات بمقتل ابنتها إنها لا تتهم السلطات السورية بمقتل ابنتها، لكن معدة التقرير تصر عليها بسؤال “هل قتلت لأنكم علويون؟” حتى أومأت الفتاة بقول نعم، لتجعل منه القناة عنواناً رئيسياً، في تلاعب متعمد لتوجيه المشاهد نحو سردية طائفية خطيرة تمزق النسيج الوطني السوري.

والمتابع لقناة “BBC” يجد أنها تتبنى سردية تهمش مواقف الدولة السورية تجاه أزمة السويداء وتظهرها كأنها صراع داخلي منفصل عن سياقه الوطني، متجاهلة مواقف دمشق التي تعتبر ما يحدث نتيجة تدخل خارجي لزعزعة الاستقرار واستهداف السيادة، وكذلك في تغطية القناة لملف “قسد”، التي غالباً ما تقدمها كقوة مستقلة أو بديلة عن الدولة، بعيداً عن موقف الحكومة السورية الرافض لأي كيان مسلح خارج إطار الجيش.

وتجاهلت القناة في معظم تغطياتها معاناة السوريين الحقيقية خلال سنوات الثورة، ولم تولِ أهمية إعلامية لعشرات المقابر الجماعية والمعتقلات والمجازر التي وثقها السوريون، مفضلة التركيز على زوايا سياسية تخدم سرديتها، والمفارقة أن (BBC) كانت القناة الغربية الوحيدة التي سمح لها النظام البائد بوجود مراسلها الدائم في دمشق خلال سنوات الحرب، ما يطرح تساؤلات عن طبيعة العلاقة والصفقات الإعلامية التي كانت تدار خلف الكواليس.

الانحياز ذاته يتكرر في تغطية القناة للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، حيث تتعامل بميزان مزدوج، تبرر قصف المستشفيات والمدارس عبر روايات ملفقة، وكما صرح المحامي الفلسطيني محمد عثمان، فإن المحطة، ساعدت الاحتلال في تبرير جريمة قصف مستشفى المعمداني بنشر أخبار كاذبة حول وجود أنفاق أسفله، مشيراً إلى أن هذه المعلومات المغلوطة كانت سبباً مباشراً في سقوط عشرات الضحايا الأبرياء، وقد أعلن عثمان عن إعداد ملف قانوني لمقاضاة الشبكة أمام المحكمة الجنائية الدولية بوصفها شريكاً في التحريض على جريمة حرب.

ولم تسلم حتى الساحة الغربية من أكاذيب القناة، فبعد تحقيق نشرته صحيفة التليغراف البريطانية مؤخراً، تبين أن برنامج “بانوراما” الشهير قام بتحريف فقرات من خطاب للرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال فترته الرئاسية الأولى، ما دفع البيت الأبيض إلى اتهام القناة بنشر أكاذيب متعمدة وتقديم شكوى رسمية مطالباً إياها بدفع مليار دولار كتعويض لتحريفها خطاب الرئيس ترامب، وجاءت الاستقالات اللاحقة لمديرها العام تيم ديفي ورئيسة قسم الأخبار ديبورا تورنيس لتؤكد حجم الفضيحة داخل المؤسسة العريقة.

إن مسلسل التضليل الذي تنتهجه (BBC) يثبت أنها لم تعد مدرسة الصحافة الحرة والمحترفة، بل أصبحت كما وصفها أحد النقاد البريطانيين جهازاً دعائياً، فحين تتبنى القناة خطاباً طائفياً في سوريا، ومنحازاً للاحتلال الإسرائيلي في غزة، ومشوهاً للحقائق في واشنطن، فإننا أمام نموذج صارخ لفقدان الحياد وتحويل الإعلام إلى أداة ضغط سياسي.

محمد رعد- الوطن

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock