غياب البيانات وتمدد اقتصاد الظل: دروس من عام بعد التحرير

بعد عام على التحرير، لا يزال المشهد الاقتصادي السوري يرزح تحت تعقيدات متشابكة، تجمع بين إرث ثقيل من الفساد المؤسسي وضعف الإدارة، وبين سوق سوداء لم تختفِ بقدر ما أعادت إنتاج نفسها بأدوات جديدة. ففي ظل سعي الدولة إلى استعادة دورها الاقتصادي، تبرز تحديات بنيوية تعوق ضبط السوق وتحقيق الاستقرار.
يرى الباحث والخبير الاقتصادي أنس الفيومي أن جوهر الأزمة لا يكمن في السوق بحد ذاته، بل في بنية الدولة وقدرتها المحدودة على إدارة الاقتصاد الحديث، مؤكداً في حديثه/ للوطن / أن أي محاولة لمعالجة السوق السوداء من دون إصلاح مؤسسات الدولة ستبقى محدودة الأثر.
غياب البيانات: خلل بنيوي في إدارة الاقتصاد .
يشير الفيومي إلى أن العام الأول بعد التحرير كشف ضعفاً حاداً في المنظومة المعلوماتية للدولة، حيث تعجز المؤسسات الحكومية عن تحديد مؤشرات اقتصادية أساسية، مثل حجم التضخم الحقيقي، وكميات المستوردات، واحتياجات السوق من المواد الأساسية، إضافة إلى استهلاك المحروقات والطاقة الإنتاجية للصناعة.
ويؤكد أن غياب هذه الأرقام لا يمثل مجرد قصور إداري، بل يشكل عائقاً استراتيجياً يحول دون صياغة سياسات اقتصادية فعالة، ويفسر حالة التخبط والتذبذب في القرارات الاقتصادية، نتيجة العمل في بيئة تفتقر إلى البيانات الدقيقة.
السوق السوداء: إعادة تشكّل لا اختفاء..
وبحسب الفيومي، لم تنتهِ السوق السوداء بعد التحرير، بل أعادت تنظيم نفسها لتبقى فاعلاً رئيسياً في الاقتصاد المحلي. وقد تجلى ذلك عبر إغراق السوق بالبضائع المهربة بأسعار تنافس الإنتاج الوطني، والتلاعب بأسعار الطاقة والنقل، إلى جانب انتقال شبكات الفساد من أطراف الدولة إلى قلب السوق.
ويرى أن هذه الممارسات خلقت منافسة غير عادلة أضعفت الصناعة الوطنية، وجعلت اقتصاد الظل لاعباً أساسياً في توجيه الأسعار وحركة السلع، ما يؤكد أن معالجة الظاهرة لا يمكن أن تقتصر على ضبط الحدود أو الإجراءات الأمنية.
تحول جذري..
ينتقد الفيومي أساليب الإدارة التقليدية التي سادت سابقاً، معتبراً أنها اعتمدت على الخطاب الإعلامي أكثر من المعالجة الفعلية. ويدعو إلى تحول إداري شامل يقوم على الشفافية في نشر البيانات، وإعادة ترتيب الأولويات داخل المؤسسات، واعتماد المكاشفة والمساءلة كنهج دائم.
كما يطرح مفهوم “الإدارة بالمحبة”، أي إدارة تقوم على بناء الثقة والشراكة بين الدولة والمواطن والقطاع الخاص، وأن الاستقرار الاقتصادي لا يتحقق دون تعاون حقيقي بين هذه الأطراف.
وخلص الفيومي إلى أن محاربة السوق السوداء تبدأ من داخل الدولة نفسها، عبر بناء منظومة بيانات دقيقة، وتعزيز الشفافية، ودعم الصناعة الوطنية، وتطبيق نموذج إداري حديث وفعّال.
وهنا نستطيع القول إن الإصلاح الإداري يشكل الأساس لأي إصلاح اقتصادي مستدام، وأن إصلاح الدولة مدخل لضبط السوق.
هناء غانم