فجر دمشق.. سقوط الطاغية وولادة سوريا الجديدة

منذ انطلاق معركة “ردع العدوان” في 27 تشرين الثاني 2024، كان السوريون يعيشون على وقع الأمل المتجدد مع كل مدينة وقرية تتحرر من قبضة النظام البائد، الدعاء يعلو، والعيون ترنو إلى فجر الخلاص، فيما القلوب معلقة بلحظة دخول دمشق.
مع دخول ليل يوم الثامن من كانون الأول وقبل بزوغ فجره، دخلت المعركة ساعاتها الأكثر حسماً منذ انطلاقها، قبل 12 يوماً، وبدا واضحاً أن سوريا تتجه نحو لحظة تاريخية غير مسبوقة، وأن العاصمة التي شكلت مركز ثقل النظام طوال نصف قرن، توشك أن تتنفس الحرية.
انسحابات واسعة من دمشق
كان يوم السبت 7 كانون الأول، بمنزلة مقدمة للسقوط الكبير، ففيه تحررت حمص ودرعا والسويداء والقنيطرة، وسط انهيار متسارع لقوات النظام وهروب جماعي لعناصره وحلفائه، بينما بلغ الاستنفار الإقليمي والدولي ذروته، استعداداً للحظة سقوط الأسد التي بدت وشيكة.
في اليوم التالي، شهدت العاصمة واحدة من أكبر عمليات الانسحاب التي نفذتها قوات النظام البائد منذ اندلاع الثورة، حيث أخلت وحدات الحرس الجمهوري وقوات تأمين الرئاسة مواقعها في المالكي والمهاجرين ومحيط القصر الجمهوري، فيما تخلت مجموعات أخرى عن نقاطها في أبو رمانة والمزة وكفرسوسة والقابون والبرامكة وألقيت الأسلحة في الشوارع والحاويات، وأفرغت الأجهزة الأمنية مقارها وهرّبت وثائقها السرية على عجالة باتجاه طريق بيروت، بينما خلا مطار دمشق الدولي من الموظفين والقوات.
تحرير سجناء صيدنايا
عند الرابعة فجراً، وصل الثوار إلى سجن صيدنايا المعروف باسم “المسلخ البشري”، أحد أبرز رموز قمع النظام البائد وأشده تحصيناً، دقائق قليلة كانت كافية لتوثيق خروج مئات المعتقلين، في مشهد لم تعرفه سوريا منذ نصف قرن، فالسيطرة على هذا السجن شكلت مؤشراً حاسماً على انهيار النظام، فيما أطلقت إدارة سجن عدرا المركزي سراح عشرات السجناء بشكل عشوائي قبل وصول الثوار.
فجر دمشق.. انهيار الطغيان
مع حلول فجر الأحد 8 كانون الأول، دخلت قوات “ردع العدوان” دمشق، فيما فرّ الطاغية بشار الأسد عبر مطار المزة العسكري، وعند الساعة 4:45 فجراً، أعلنت إدارة العمليات العسكرية بدء دخول قواتها من الجهة الشمالية، بعد سيطرتها على عشرات المدن والبلدات على الطريق الدولي، أبرزها النبك ودير عطية، بالتزامن مع إعلان “غرفة عمليات الجنوب” دخول قواتها من المحور الجنوبي، ومع التقاء القوات على تخوم حي المزة، كان المشهد يتجه نحو الحسم،
وعند الساعة 05:08 فجراً، وثقت وسائل الإعلام لحظات إعلان سقوط النظام بشكل نهائي، إيذاناً ببدء مرحلة جديدة في تاريخ البلاد، ونهاية حكم حزب البعث الذي امتد منذ عام 1963، وفي السادسة والربع أعلنت إدارة العمليات العسكرية تحرير دمشق بالكامل، مؤكدة أن العاصمة أصبحت حرة من الطاغية، ودعت في بيانها كل المهجّرين السوريين في مختلف أرجاء العالم، قائلةً لهم: “الطاغية بشار الأسد هرب.. سوريا الحرة تنتظركم”، مشيرةً إلى “نهاية الحقبة المظلمة وبداية عهد جديد لـ سوريا”.
ووفق تقارير صحفية دولية، هرب بشار الأسد عبر نفق يربط قصر الرئاسة بمطار المزة، ومنها إلى قاعدة حميميم الروسية، من دون أن يخبر حتى أقرب المقربين، فيما لاذ شقيقه ماهر بالفرار عبر مروحية إلى القاعدة نفسها، وخلال ساعات قليلة، انهارت المنظومة الأمنية والعسكرية، وأعلنت وحدات الحرس الجمهوري استسلامها بعد فقدان القيادة المركزية.
دمشق تحتفل.. إسقاط التماثيل
مع إعلان التحرير، ارتفعت أصوات التكبيرات والتهليلات في مآذن الجوامع، واحتشد آلاف السوريين في ساحة الأمويين، تماثيل حافظ الأسد حُطمت وديس عليها بالأقدام، في إعلان صريح عن نهاية مرحلة “تقديس الفرد”، في الوقت نفسه، اندلع حريق ضخم في مبنى الهجرة والجوازات والمربع الأمني وسط دمشق، فيما خرج رئيس وزراء النظام في بيان مصور أعلن فيه استعداده لتسليم السلطة.
بالتوازي مع تحرير دمشق، أعلنت المعارضة دخولها إلى طرطوس واللاذقية وجبلة، في مؤشر على انهيار آخر معاقل النظام في الساحل السوري، كما سيطرت على دير الزور بعد استسلام مئات العناصر، لتكتمل صورة الانهيار الشامل.
12 يوماً صنعت التاريخ
مع مساء 8 كانون الأول، كانت معركة “ردع العدوان” قد أنهت يومها الثاني عشر والأخير بإسقاط النظام الذي حكم سوريا بقبضة أمنية خانقة لنحو 54 عاماً، السجون فُتحت، والمنظومة القمعية تفككت، لكن التحديات بدت جسيمة: إدارة المرحلة الانتقالية، تثبيت الأمن، وتحقيق العدالة لضحايا الثورة.
ولادة سوريا الجديدة
فجر الثامن من كانون الأول 2024، شكّل فاصلاً تاريخياً بين سوريا حكم الأسد، وسوريا الجديدة، خرج السوريون إلى الشوارع بلا دعوة، بلا تنسيق، يهتفون ويغنون فرحاً ويرفعون الأعلام حتى صباح اليوم التالي، وكأنهم يخشون أن يكون الأمر مجرد حلم، كانت تلك الاحتفالات إعلاناً عملياً عن ولادة وطن جديد، يطوي فيه صفحة مظلمة امتدت ستة عقود، ومع سقوط الطاغية، بدأ السوريون كتابة قصة جديدة، قصة وطن حر طال انتظاره.
الوطن