فصول العدالة الانتقالية تتقدم.. سوريو فرنسا: مذكرة توقيف بحق الأسد.. بدء المحاسبة وإن طالت

تلقف سوريو فرنسا خبر إصدار القضاء الفرنسي مذكرة توقيف بحق رأس النظام السوري البائد “بشار الأسد ومعاونيه”. الصادر عن محكمة الجنايات الباريسية أول من أمس.
“نتفهم أن يكون مسار العدالة الانتقالية طويلاً، لكن أهمية القرار أنه أعاد للمجتمع الدولي، أحقية السوري، بأننا لم نكن مجرد أرقام في نشرات الأخبار، نحن نريد العودة لحقوقنا بالعدالة الانتقالية، ومحاسبة المجرمين لمنع تكرار ما حدث، ولتبقى الذاكرة السورية يقظة وحذرة، وهذه حقوق الضحايا التي لن نقبل تجاوزها وطيها ونسيانها”.
بدمعة تنساب على وجنتيها، أشعلت لمى 37 عاماً شمعتها على مدخل إحدى الجمعيات الحقوقية الفرنسية التي لعبت دوراً في الدفاع عن الضحايا أمام المحاكم الفرنسية.
لمى القادمة من غوطة دمشق، تريد إحياء ذكرى مشاهد الغوطة في آب 2013، حين اختنق الأطفال بغاز السارين بفعل قصف النظام البائد، وتتمنى أن يتحول ذلك اليوم لذكرى وطنية، فبعض الناجين يرى أن المذكرة الفرنسية خطوة أولى في طريق طويل نحو إنصافهم.
فيما عجت صفحات التواصل الاجتماعي لسوريي فرنسا، وغرف واتسهم، ومشاركات بعضهم بالتقارير والنشرات الإخبارية تعليقاً وتحليلاً للخبر وأبعاده وأفق ترجمته للوقائع، شيء يشبه الأرض العطشى، وقد طال انتظار موسم الأمطار، عله يبرد من جراحهم وذاكرتهم المرهقة.
الصحفي محمد حمادي أشار إلى: “أنه هناك ثلاث قضايا أمام القضاء الفرنسي على بشار الأسد وكبار مساعديه، والقضاء الفرنسي يشترط أن يكون في الضحايا مواطن فرنسي، الأولى تمثلت بالهجوم على المكتب الإعلامي في بابا عمر، ومقتل الصحفية الأميركية ومواطنها المصور الفرنسي.
الثانية الهجوم على درعا 2017 ومقتل المواطن صلاح أبو نبوت والثالثة الهجوم الكيماوي على الغوطة ومقتل مواطنين مزدوجي الجنسية.
مضيفا إنه:”يبدو الأهم كانت الثالثة لأنها الأشمل التي بدا للتحضير لإطلاق إجراءات قضائية عام 2016 من خلال المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، وعدد من المنظمات القانونية والحقوقية الفرنسية والأوروبية.
الهجمات الكيميائية والهجمات التي استهدفت أهدافاً مدنية مثل المدارس والمستشفيات.
مسار تأخر واليوم ينطلق
الزمن الطويل في ملف الدعوى القانونية يعود إلى أن محكمة الجنايات بباريس بعد مداولاتها، اصطدمت بإشكالية صفة المجرم ووظيفته وبحالتنا كان الأسد.
في (تشرين الثاني) 2023، أصدر قضاة التحقيق الفرنسيون في باريس أول أمر توقيف دولي ضد بشّار الأسد وعدد من كبار المسؤولين في نظامه.
جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، تتعلق بالهجمات الكيميائية في الغوطة الشرقية في آب 2013، التي قُتل فيها مئات المدنيين.
لكن في ذلك الوقت، كان بشّار الأسد ما زال رئيساً لسوريا.
وبموجب القانون الدولي، يتمتع رئيس الدولة في أثناء ولايته بحصانة كاملة الشخصية والوظيفية بمعنى أن العرف القانوني كان يقول إن الحصانة الوظيفية تستمر مع رئيس الدولة حتى بعد انتهاء ولايته.
لذلك، عندما طُعن في القرار أمام القضاء، قررت محكمة النقض الفرنسية في 25 (تموز) 2025 أن أمر التوقيف باطل، بسبب الحصانة الوظيفية ولا يمكن محاكمته أو إصدار مذكرة توقيف بحقه في دولة أجنبية.
أمر التوقيف الصادر في تشرين الثاني 2023 أُلغي نهائياً.
وفي اليوم الذي ألغت فيه محكمة النقض القرار القديم.
قدّمت النيابة العامة لمكافحة الإرهاب (PNAT) طلباً جديداً لإصدار أمر توقيف آخر ضد بشّار الأسد باعتباره أنهى ولايته في كانون الأول 2024، وبالتالي فقد الحصانة الرئاسية.
يشير “الحمادي” أن الاجتهاد القضائي اعتبر أن الحصانة الوظيفية لا تعني المشاركة بجرائم حرب وإبادة ضد الإنسانية لأن الأصل في الوظيفة الرئاسية إدارة شؤون البلاد ورعايتها والخدمة العامة، وليس الجريمة الواسعة، وبالتالي بات بالإمكان محاكمته بغياب الصفة الوظيفية والإخلال بها أصلاً. وهذا يعني أن الاجتهاد القضائي الفرنسي سيسمح بمحاكمة أي رئيس يشترك بمثل هذه الجرائم.
وحول إمكانية تطبيق القرار الصادر يرى “الحمادي” نعم الإشكالية متعددة الجوانب، لكنها محطة مهمة وأساسية، فنجاح الدعوى يعني أن يبقى الأسد مطاردا ومطلوبا للعدالة الدولية، وصدور القرار يعني إرساله للأنتربول الدولي لتسليم المجرم للمحاكمة، صحيح قد لا تسلمه روسيا، ولكن هذا سيضعها بخانة التواطؤ مع مجرم هارب من العدالة، ولا أحد يعرف مدى تطورات التحالفات السياسية في المشهد القادم،
إضافة إلى أن فرنسا عضو في المحكمة الجنائية الدولية ويمكن لها إحالة الملف، لكن الإشكالية هي أن سوريا غير موقعة أصلاً وليست طرفا في نظام روما الأساسي وبالتالي ستحتاج لإحالة الملف عبر مجلس الأمن الدولي وهذا يقرب فرص العدالة إن لم يصطدم بالفيتو الروسي.
وكانت وكالة “فرانس برس” نقلت عن مصدر قضائي، الخميس 23 من تشرين الأول، أن قضاة التحقيق الباريسيين وقّعوا مذكرة التوقيف، بتهمة التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، في 29 من تموز الماضي.
وجاءت هذه المذكرة بعد أيام قليلة من إلغاء مذكرة توقيف كانت قد صدرت في تشرين الثاني 2023، حين كان الأسد في منصبه، بسبب حصانة رئيس الدولة في أثناء ممارسته لمهامه.
ويقيم الأسد في العاصمة الروسية موسكو، تحت صفة اللجوء الإنساني، وطالب الرئيس السوري، أحمد الشرع، بتسليمه حين التقى بوتين في 15 من تشرين الأول الماضي.
وفي هذا الملف نفسه، صدر في 16 من تموز الماضي، أمر توقيف بحق طلال مخلوف، القائد السابق لـ”اللواء 105″ في “الحرس الجمهوري السوري”، بحسب المصدر القضائي نفسه.
كما أن ماهر الأسد، شقيق الرئيس المخلوع وقائد “الفرقة الرابعة” آنذاك، إلى جانب اللواءين غسان عباس وبسام الحسن، مشمولون أيضاً بمذكرات توقيف صادرة منذ تشرين الثاني 2023.
باريس- محمد العويد