اقتصاد

فضلية: الحكومة تريد وتقدر على زيادة الرواتب ولكن السؤال كم؟ ومتى؟

لعل أكثر سؤال يدور في الساحة المحلية اليوم هو حقيقة وجود زيادة رواتب ومتى وما مقدارها..؟ وسط تباين واضح في التصريحات الحكومية حيالها، فتارة يتشدد رئيس الحكومة وبعض الوزراء المعنيين بالحديث عن زيادة قريبة وأكيدة، وتارة أخرى يتم التلاعب بالكلمات عبر ربط الزيادة بتحسن الإنتاج، والحديث عن بدائل للزيادة النقدية مثل تخفيض الأسعار.

في هذا السياق التقت «الوطن» عدداً من الأكاديميين المتخصصين في الشأن الاقتصادي والنقدي، لمعرفة آرائهم في إمكانية الزيادة وخيارات تمويلها ونسبها الممكنة، وآثارها.
الدكتور عابد فضلية (أستاذ جامعي ورئيس هيئة الأوراق المالية) رأى أن زيادة الرواتب حاجة ملحة، ومحقة، لكن نسبة هذه الزيادة هي محور التفكير والتحليل، مشدداً على أن الحكومة والقيادة السياسية مقتنعون بضرورة زيادة الرواتب وتحسين مستوى المعيشة للمواطن، مشيراً إلى أن زيادة الرواتب دون تحسين مستوى المعيشة وزيادة مستوى الخدمات لن تكون مجدية، فقرار زيادة الرواتب متخذ، وهذه الزيادة تتعلق بمرونة الاقتصاد وقدرته على زيادة الإنتاج وتحريك العجلة الاقتصادية، فإذا زادت الرواتب سوف تتغير العديد من المؤشرات.
وبيّن فضلية وهو عضو في المجلس الاستشاري في مجلس الوزراء أن الدولة لديها القدرة على زيادة الرواتب والأجور، والحكومة تريد أن تقوم بهذه الخطوة، لكنها تدرس تقليص الفجوة بين ما هو لازم للمعيشة وبين الراتب الجديد، وتدرس الآثار المباشرة وغير المباشرة لزيادة الرواتب.
وأشار فضلية إلى أن التوجه السياسي موجود والرغبة الحكومية لزيادة الرواتب موجودة منذ أشهر، لكن النظر الآن يتم إلى أثر رفع الرواتب على كل المؤشرات الاقتصادية وما هي النسبة التي إذا تم رفع الرواتب من خلالها لا تؤدي إلى تراجع القوة الشرائية للدخل الجديد،و بالمحصلة فإن مسودة قرار رفع الرواتب موجودة لدى الحكومة لكن السؤال ما النسبة وكيف؟
وعن إمكانية تمويل زيادة الرواتب أكد فضلية أن الوضع المالي ليس في أفضل حالاته، لكنه بدأ يتحسن مع بدء دوران عجلة الإنتاج، مشيراً إلى أنه يجب على الحكومة أن تتريث بموضوع زيادة الرواتب حتى تتم دراسة جميع الآثار التي تترتب على العملية لذوي الدخل المحدود لكي تتضح النسبة المئوية المشمولة لزيادة الرواتب وبالتالي خلال هذا التريث ومع تسارع عجلة الإنتاج وتحسن المناخ الاستثماري وتحسن الوضع الأمني والعسكري يكون لقرار الزيادة آثاره الإيجابية المرغوبة.
وعن إمكانية استخدام شهادات الإيداع كمصادر لتمويل زيادة الرواتب بين فضلية أنه من الخطأ زيادة الرواتب عن طريق الاستدانة أو بالعجز، إلا إذا كان الأمر مدروساً، بمعنى إذا تمت الاستدانة وتم تمويل زيادة الرواتب بالعجز من المصرف المركزي لمدة محدودة ويكون لدى الحكومة مؤشرات على تحسن اقتصادي خلال فترة محدودة حينها تتم معالجة هذا الفرق وتمويل الرواتب بالعجز.
وفيما يخص استخدام الزيادات المحققة هذا العام من الضرائب غير المباشرة وخاصة الرسوم الجمركية لتمويل الزيادة بين فضلية أن هذا الأمر سيؤدي إلى زيادة الأعباء على الفعاليات الاقتصادية، وعلى المنتج، والتي بالنهاية سوف تنعكس على السعر النهائي للسلعة.
وشدد فضلية على أن الوسيلة الرئيسية لتلافي زيادة الأسعار في حالة رفع الأجور والرواتب تتم عن طريق تحسين إنتاجية العمل.

تقصير حكومي
من جانبه أكد الدكتور شفيق عربش (أستاذ جامعي ومدير سابق لمكتب الإحصاء) أنه مقارنة مع المستوى المعيشي للمواطن قبل الهجمة الشرسة على سورية؛ يجب أن تضاعف الأجور 3 مرات على الأقل، مع الأخذ بالحسبان النتائج التي تترتب على الحرب الظالمة على وطننا، منتقداً في الوقت ذاته أداء الحكومة والحكومات المتعاقبة والتي لم تقم بإجراءات جادة تصب في مصلحة شريحة كبيرة من المواطنين، مشيراً إلى أن التصريحات حول زيادة الرواتب التي تطلقها الحكومة يومياً هي عبارة عن حبوب مسكنة للمواطنين.
ورأى عربش أن مصادر التمويل اللازمة لزيادة الأجور تأتي من إطلاق عملية الإنتاج ذي القيمة المضاعفة العالية التي تأتي من اقتصاد المعرفة ومن اليد العاملة المؤهلة، مشيراً إلى أن التمويل الذي لا يستند إلى اقتصاد حقيقي سيدفع ثمنه غالياً جداً، عاجلاً أم آجلاً، والدليل برأي عربش أن جميع زيادات الأجور التي حصلت على مدار 30 سنة لم تؤد إلى تحسن ملموس في مستوى معيشة المواطن لأنها كانت تستند إلى تحريك المشتقات النفطية، وأخذ هذه الكتلة النقدية التي جاءت من زيادة أسعار المشتقات لتمويل زيادة الرواتب، مبيناً أن أي تحريك في أسعار المشتقات النفطية لاسيما المازوت لها انعكاس على الاقتصاد برمته والمستويات المعيشية والسعربة والإنتاج فالزيادة الحقيقية تأتي من اقتصاد حقيقي، منوهاً بأن الأهم من الزيادة هي ضبط الأسواق، وبرأي عربش أثبتت الحكومات المتعاقبة أنها عاجزة عن ضبط الأسواق.
ورأى عربش أن الزيادة في الضرائب غير المباشرة والرسوم الجمركية تغطي النفقات العامة للدولة من حدودها الدنيا وليس بإمكانها أن تغطي زيادة الرواتب، مشيراً إلى أن المصدر الأساسي للموازنة العامة للدولة هي الضريبة على الرواتب والأجور.
وعن التضخم بين عربش أن التضخم بالحدود المعقولة نتيجة زيادة الرواتب ليس له تأثير طالما أنه بمعدلات أقل بكثير من زيادة الرواتب، مشيراً إلى أننا نعاني من انفلات في الأسعار لا تستطيع الحكومة وأجهزتها ضبطه، لأن جزءاً من هذه الأجهزة برأي عربش تشارك في هذا الانفلات من خلال الفساد والذي تمارسه في الأسواق.
وبين عربش أن الأسعار تنضبط من خلال توفر السلعة والأهم تأمين ظروف المنافسة الحقيقية، مشيراً إلى أن إجراءات الحكومة في تأمين السلع ومنع احتكارها هي إجراءات قاصرة وتتحول المسؤولية بشكل أساسي إلى وزارة الاقتصاد لأنها تعلم جيداً واقع إجازات الاستيراد، ويجب على الحكومة التشجيع على إنتاج السلع محلياً.
وأشار عربش إلى أن هناك معاناة حقيقية لعدم وجود أي سياسة اقتصادية كلية وخطة عمل تسير عليها الحكومة، مشدداً على أنه في حال استطاعت الحكومة أن تخفض الأسعار حتى 20% تخفيضاً حقيقياً فإن ذلك أفضل بكثير من زيادة الرواتب، مبيناً أنه يجب على الحكومة وضع خطة حقيقية واقعية لزيادة الرواتب وإعادة النظر بهيئة تخطيط الدولة ودورها لأنها الجهاز الفني الذي يضع الخطط العامة للدولة، كما يجب إعادة الحياة إلى المكتب المركزي للإحصاء الذي يقيس مدى نجاح وفشل الأجهزة التنفيذية وأن نضع خطة اجتماعية اقتصادية متينة ومدروسة بقواعد علمية.
وأكد عربش إننا بحاجة إلى سياسة نقدية لها أهداف وبرامج تنعكس إيجاباً على القدرة الشرائية للعملة الوطنية، وإلى سياسة مالية رشيدة تعمل من خلال سياسة عادلة للضرائب لإعادة توزيع الدخل بين رأس المال والأجور.

الزيادة مئة بالمئة
من جهته بيّن الدكتور علي كنعان (أستاذ جامعي) أن نسبة زيادة الرواتب يجب أن تكون بحدود 100%، وهذه النسبة ترتبط بالسلة الغذائية التي يحتاجها المواطن يومياً، مشيراً إلى أن العديد من مراكز البحوث الوطنية والخارجية أجرت دراسات على الوضع في سورية فتبين لها أن الحد الأدنى للراتب لإعالة خمس أشخاص هو 245 ألف ل.س، وبالتالي بما أن المعدل الوسطي للراتب في سورية 40 ألف ليرة سورية شهرياً فإن زيادة 100% لا تغطي إلا نسبة بسيطة من الوسطي المطلوب، لكن النظريات الاقتصادية تشير إلى أن الحد الأدنى للأجر في كل دول العالم هو ما يحتاجه المواطن لإنتاج قوة عمله، وهذا يقتضي تأمين سلة غذائية بنحو 90 ألف ليرة بحسب دراسة أجراها اتحاد العمال، ما يعني أن مضاعفة الراتب هو الطريق الأمثل لتحسين مستوى المعيشة.
ورأى كنعان أن سورية تمر بظروف قاسية بسبب الحرب الإرهابية عليها قد تكون الإمكانيات قليلة، وطالما أن الدولة تمول إيراداتها بالإصدار النقدي فعليها أن تزيد الإصدار النقدي لتحسين مستوى المعيشة للمواطن.
وأوضح كنعان أن الأجور في سورية تتراوح بين 900 مليار إلى ترليون ليرة سورية سنوياً، ولا يتوافر لدى وزارة المالية هذا الفائض، فإذا أرادت الحكومة زيادة الأجور فسوف تضطر للاستدانة من البنك المركزي، مبيناً أن الزيادة تمول بطريقتين، الأول عبر الإصدار النقدي، والثانية عبر سندات الخزينة (سندات الدين العام)، مؤكداً أن زيادة الضرائب غير المباشرة وخاصة الرسوم الجمركية تساعد على تأمين مصدر دخل للخزينة العامة، لكن ما زالت بحدودها الدنيا لأن عجلة الإنتاج لم تنطلق بالشكل الجيد، مشيراً إلى أن التهرب الضريبي ما زال كبيراً ويجب على الحكومة ووزارة المالية مكافحته.
وعن الخوف من التضخم جراء زيادة الرواتب أشار كنعان إلى أن التضخم لا يخيف بل إن الركود هو الذي يخيف، مبيناً أن كل الدول التي نمت وتطورت استخدمت التضخم.
ودعا كنعان إلى زيادة الأجور حتى لو كان عن طريق الإصدار النقدي بهدف تحريك الاستهلاك وبالتالي تحريك حجم الإنتاج وزيادة الإنتاج، ورأى أن سبل تلافي زيادة الأسعار في حال رفع الأجور؛ كثيرة متعددة، ومن المعروف أنه في حال رفع الأجور فإن صاحب رأس المال والتاجر يسعر ليأخذ الحصة الأكبر من الدخل القومي لذلك يرفع أرباحه، وهنا على الحكومة تشكيل لجان أو فرق عمل لدراسة سعر المنتج وسعر المستهلك بشكل دقيق وجاد ونزيه.

الوطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock