فيروز تطفئ شمعتها التسعين

تطفئ الفنانة فيروز، لبنانية الجنسية وعربية الانتماء، شمعتها التسعين بعد أن أطلقت صرختها الأولى على خشبة مسرح الحياة عام 1935، لتحافظ الشعوب العربية على ترديد أغانيها على اختلاف ألوانها وألحانها ورسائلها.
تدخل القلب من دون استئذان وتصل إلى أعماق روحك ومدارك عقلك فتجعلك تعيش خليطاً من مشاعر الطرب والشجن والزهو، تمتلك صوتاً ذهبياً فحسب يجعلنا نسافر في عالم صوتها لتجعل البحر أصغر والنجوم أقرب.
بقيت صاحبة “أسوارة العروس” ظاهرة متميزة في المكتبة الغنائية العربية لعظم منجزها الفني الذي لا يخبو بريقه ولا يختلف عليه اثنان، فبرعت في الشعر العامي والفصيح ونسجت بصوتها خيوط تحمل المستمع إلى حدود الهذيان لتجعل عبارات أغنياتها محفوظة بسهولة وعصية على النسيان.
ترافق فيروز صباحاتنا غالباً بصحبة فنجان من القهوة الساخن فتكون سيدة المشهد في جلساتنا الصباحية سواء مع الشريك أم الأسرة أو زميل العمل.
ويجدد محبو المغنية المتألقة فيروز وجمهورها العهد بولائهم لفنها الجميل وأغنياتها مع بزوغ شمس كل صباح أو حتى في أوقات المساء.
هي نهاد رزق وديع حداد التي نشأت في بيت بسيط وعائلة متواضعة، اكتشفها المؤلف الموسيقي اللبناني محمد فليفل عندما كان يبحث عن عدد من الأصوات الجديدة من أجل ضمها للإذاعة اللبنانية، وقد أعجب رئيس القسم الموسيقي حينها حليم الرومي بصوتها وقدّم لها عدداً من الأغاني ودربها على الإيقاع واللفظ السليم وهو من اقترح لها اسم فيروز، ومن ثم تعرفت على الموسيقيين عاصي ومنصور الرحباني مطلع الخمسينيات وقدمت بالشراكة معهما مزيجاً غنائياً موسيقياً بين النمط اللبناني الشرقي وبين النموذج الغربي في اللحن، فغنت للأم وللوطن وللطفل وللحب وللمدن، وشكّلت بالتعاون مع الرحابنة مشروعاً فنياً غنائياً امتد حتى يومنا هذا لتكون علامة فارقة في الغناء العربي ويطلق عليها لقب عمود بعلبك السابع.
بعد وفاة زوجها عاصي الرحباني 1986 تعاونت مع عدد من الملحنين ومنهم: فليمون وهبة وزكي ناصيف، كما أنها غنت لأسماء مهمة من الشعراء أمثال: الأخطل الصغير وجبران خليل جبران وسعيد عقل الذي أطلق عليها لقب “سفيرة لبنان إلى النجوم”. وقد سارت بطموحها الفني للغناء بالإنكليزية والفرنسية وإنشاد بعض التراتيل الدينية باللغة اليونانية.
وقد دأبت الكثير من المسلسلات السورية على اختلافها في الاستعانة بأغاني فيروز لتعطي روحاً وعبقاً وعبيراً فواحاً يعج بهدوء ورصانة نجمة الصباح، وإن كانت مجرد ومضات أو مقاطع قصيرة ومشاهد مقتضبة. وعلى الرغم من كثرة الأعمال الدرامية التي تخللتها أغاني فيروز إلا أن وقعها كان كبيراً ومختلفاً في مسلسل “أهل الغرام” الذي ترتبط فيه الحكاية باسم أغنية من أغانيها، فها هي تحضر في ثنائية “يلا تنام” وفي لوحة “رجعت الشتوية” و”سوا ربينا” و”أنا لحبيبي” و”نسّم علينا الهوى” و”يا مريم البكر” و”كيفك أنت”، وجميعها تمثل قصص حب ربما تنجح وربما تفشل ولعل معظمها لم يكتب لها الاستمرار بسبب عائق ديني أو صراع طبقي واجتماعي.
يشار إلى أن فيروز حصدت العديد من الجوائز وحازت عدداً كبيراً من الأوسمة، منها: وسام الشرف من الرئيس اللبناني كميل شمعون عام 1957، ووساما الاستحقاق والأرز من الرئيس فؤاد شهاب عامي 1962-1963، ووسام النهضة الأردني من الدرجة الأولى عام 1963، وميدالية الشرف الذهبية عام 1975، إضافة إلى أنها حصلت على مفتاح مدينة القدس عام 1968 وجائزة القدس عام 1997، كما أنها تسلمت وسام قائد الفنون والآداب من الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران عام 1988، ووسام فارس جوقة الشرف من الرئيس الفرنسي جاك شيراك عام 1998، ومفتاح مدينة لاس فيغاس عام 1999. كما أن الجامعة الأمريكية في بيروت منحتها الدكتوراه الفخرية عام 2005، علاوةً على أن الصليب الأحمر الدولي اختارها سفيرة للعرب في عيدها الخمسين لاتفاقية جنيف.
وجسّدت عدة أفلام وثائقية حياة فيروز، إذ أضاءت على أهم مراحلها العمرية والتنقلات المحورية في حياتها الفنية، وكان منها: “رحلة في ذاكرة التلفزة” عام 2017، و”تاريخ فيروز ولبنان” عام 1998، و”فيروز في أمريكا” عام 1971. كما صدرت عدة مؤلفات مطبوعة ودراسات شاملة حول سفيرتنا إلى النجوم وكل فصول حياتها العائلية والاجتماعية وعلاقاتها وعدد من الشهادات والمحطات الرئيسة في حياتها، وكان من تلك المؤلفات: “وطن اسمه فيروز” عام 2023 و”فيروز سفيرة المحبة” عام 2018 الذي يسبر أغوار سيرتها.
مصعب أيوب