العناوين الرئيسيةسوريةسياسة

في يوم التحرير.. حكايات أناس عانقوا النور بعد عقود من الظلام

بمشاهد لم تألفها الساحات السورية منذ عقود، اكتظت المدن والبلدات قبل ساعات من حلول الثامن من كانون الأول بالاحتفالات الشعبية إحياء للذكرى السنوية الأولى لسقوط نظام الأسد.

أعلام ترفرف، موسيقى تنبعث من مكبرات بسيطة، ووجوه تتقاسم الدهشة والفرح وكأنها تعيد اكتشاف القدرة على الحياة من جديد.

لم يكن هذا اليوم مجرّد مناسبة سياسية، بل تحول إلى مساحة جمعية لاستعادة الذاكرة، واستحضار معاناة سنوات القمع، ومشاركة آمال متجددة بمستقبل مختلف طال انتظاره.

في الساحات، اختلطت أصوات الهتافات بأصوات أولئك الذين دفعتهم التجربة الشخصية إلى الحضور، لا احتفالاً فحسب، بل شهادةً على زمنٍ مضى وزمنٍ يولد.

بين الجموع، في إحدى ساحات دمشق كان أبو أحمد، سائق حافلة في الستينيات، يراقب المشهد بعينين تلمعان كلما ارتفعت الهتافات، يقول: “أشعر وكأن جبلاً كان على ظهري وأزيح.  سنوات طويلة وأنا أعيش بالخوف… أخاف من كلمة، من نظرة، من دورية، اليوم أقف هنا وأرفع رأسي”.

يرفع أبو احمد صورة ابنه الذي فقده في حملات الاعتقال الواسعة قبل سنوات، ويضيف بصوت متهدّج:”لو كان معنا، لكان أول من يرقص، هذا اليوم هو انتصار لروحه وكل الأرواح التي رحلت من دون أن ترى هذا الضوء”.

زمن كان يشبه السجن

على مقربة من منصة الاحتفال، جلست أم نضال، امرأة ستينية أنهكت سنوات الحرب ملامحها، كانت تراقب الوجوه كأنها تستعيد خلالها سنوات من الغياب.

تقول أم نضال: “نحن لم نكن نعيش… كنا نختبئ داخل حياتنا. يوم سقط النظام، شعرت كأنني خرجت من سجن كبير”

وتضيف بابتسامة تمزج الفرح بالدمع:

“أولادي الثلاثة الذين هاجروا بدؤوا يعودون. البلد يستعيد أبناءه… وهذه وحدها نعمة”.

بداية حياة جديدة

أما سعيد، الشاب العشريني الذي لم يعرف في طفولته سوى الحرب، فكان يوزع الحلوى على المارة بابتسامة عريضة، يقول: “لم اعرف سوى أصوات الانفجارات، اليوم أسمع ضحكات، أحس أن الفرح صار مثل الهواء… وهذا أول نفس ألتقطه بحرية.

سعيد يحلم بدراسة الهندسة، ويرى في المرحلة المقبلة فرصة: “نريد أن نعيد إعمار كل ما تهدم، نحن الجيل الذي سيبني بدل أن يُدفَن تحت الأنقاض”.

الذاكرة تُروى… والمستقبل يُكتب

مع أن الجراح لا تزال طرية، فإن مشاهد الاحتفالات أظهرت رغبة واسعة لدى السوريين في استعادة حياتهم وبناء وطن جديد يليق بآمالهم.

الأمّهات اللواتي فقدن أبناءً حملن صورهم بزهو، والآباء الذين خبروا المعتقلات تحدثوا عن بداية صفحة جديدة، فيما امتلأت الساحات بالمبادرات المدنية والشبابية الداعية لإعادة الإعمار والمصالحة المجتمعية.

السوريون يدركون أن الطريق طويل، لكنهم اليوم يتحدّثون بثقة عن دولة قائمة على العدالة، وعن مؤسسات تعيد الكرامة للمواطن، وعن وطن يمكن أن يعيش فيه الجميع بلا خوف.

الوطن

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock