مقالات وآراء

«كورونا» والحاجة لفكرة بريتون وودز جديدة

بقلم د.قحطان السيوفي

يشهد العالم اليوم أزمات واضطرابات وحروباً وإرهاباً وفقراً وجائحة كورونا، فالاقتصاد العالمي تراجع بنسبة 4.4 في المئة ونحو 11 تريليون دولار من الناتج هذا العام وخسائر في الأرواح تتجاوز مليون نسمة.
المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي حذر من أن العالم يقف على شفا «جائحة جوع»، وعدد الناس الذين يمكن أن يموتوا من الآثار الاقتصادية لجائحة كورونا سيفوق عدد من يموتون بالفيروس إذا لم تُتخذ خطوات عاجلة لتدارك الوضع، الأزمة الاقتصادية الناجمة عن جائحة كورونا الأعمق من نوعها في التاريخ الحديث.
عام 1944، وقعت 44 دولة اتفاقية تأسيس صندوق النقد الدولي في بريتون وودز لمعالجة الدمار الذي أحدثته الحرب العالمية، وإرساء الأساس لعالم جديد، لكن اليوم كيف يواجه العالم الأزمات وبناء غد أفضل؟
إن التعافي الاقتصادي لن يتحقق إلا إذا هُزمت جائحة كورونا، وأُعطيت أولوية لإنتاج وتوزيع العلاجات واللقاحات.
الاقتصاد العالمي في أسوأ هبوط منذ الكساد الكبير يحكمه عدم اليقين، ويحتاج لمعالجة مشكلات مزمنة وانخفاض الإنتاجية وبطء النمو وعدم المساواة.
كأن التاريخ يُعيد لحظة بريتون وودز جديدة.
المشهد يشير لثلاثة مواضيع أولها: السياسات الاقتصادية الصحيحة، ما كان يصدق على بريتون وودز لا يزال يصدق اليوم، فالسياسات الاقتصادية الكلية الرشيدة والمؤسسات القوية عاملان ضروريان للنمو، وثانيها: تطويع السياسات لما يلائم احتياجات كل بلد على حدة، واستمرار الدعم لفترة ما، وثالثها: مخاطر ارتفاع الدين العام.
من المتوقع أن يشهد عام 2021 ارتفاعاً كبيراً في مستويات الدين ليصل إلى 65 و50 في المئة من إجمالي الناتج المحلي في الاقتصادات المتقدمة والصاعدة، والمنخفضة الدخل على التوالي.
السياسة الاقتصادية السليمة تتطلب استثمار رأس المال البشري في الشباب والتعليم والصحة لأنه استثمار في المستقبل.
بالمقابل، تغيّر المناخ عامل مؤثر في الاقتصاد الكلي، في السنوات الأخيرة أسفرت الكوارث المناخية عن أضرار تجاوزت 1.3 تريليون دولار مع جائحة كورونا، تعهدت مديرة صندوق النقد الدولي بدفع 100 مليار دولار، ضمن طاقة الصندوق الإقراضية البالغة تريليون دولار لمساعدة الدول الصغيرة على دفع خدمات الأطباء وأطقم التمريض، ولاحتواء الكوارث وتخفيف أعباء الديون والحد من الفقر، ترى هل يتحقق ذلك؟
يقول محللون: إن جائحة كورونا قدمت دليلاً يُفيد بأن النظرية النقدية الحديثة هي السبيل للحكومات حتى تمضي قدماً.
تقول هذه النظرية: يمكن للحكومات إنفاق ما تريد حتى يتم تحقيق التوظيف الكامل من دون الحاجة إلى القلق بشأن التمويل، لأن البنك المركزي سيوفر الأموال ببساطة عن طريق تشغيل المطبعة، وقد تعرضت هذه النظرية لنقد من اقتصاديين وسياسيين.
يبدو أن اليساريين في العالم سيظلون مغرمين بهذه النظرية، لقناعتهم بأنها تسهم بتمويل المشاريع العامة لخلق العمالة وتعزيز العدالة الاجتماعية.
فورة الإنفاق الحكومي ستؤدي حتماً إلى ارتفاع التضخم ومعدلات البطالة وضعف الأجور، لذلك تقترح النظرية النقدية الحديثة أن تزيد الحكومات الضرائب لامتصاص الأموال من التداول لتجنب التضخم.
العالم في أمسّ الحاجة إلى بارقة أمل، أمل في اكتشاف اللقاح ووصوله إلى الجميع، وأمل في تضميد جروح الاقتصاد العالمي بالتضامن في مواجهة الكارثة، ومساعدة الدول التي ترزح تحت أعباء الديون أو الفقر.
هل يمكن لكورونا أن تحيي فكرة صيغة تعاون دولي جديد؟! نأمل ذلك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock