كيف سيكون شكل الدراما السورية بعد التحرير؟

يقف المشهد الفني السوري، وتحديداً الدرامي، على أعتاب فصل جديد. والسؤال الجوهري الذي يطرح نفسه: هل تستطيع الدراما السورية أن تُجسّد ذاكرة الثورة وبطولاتها، وأن تنقل شعلة الأمل التي حاول البطش إخمادها؟ وهل يمكنها أن تستحضر صور المظاهرات والاعتقالات وانتهاك الحريات الدينية والشخصية، لتعيد صياغتها برؤية إنسانية مختلفة؟.
لطالما كانت الدراما السورية نافذة مهمة تطلّ منها صورة البلاد إلى الخارج، وبوابة لوصولها إلى العالم. وقد حصدت عبر سنوات طويلة نسب مشاهدة عالية على المستويين الإقليمي والعربي، ما يفرض ضرورة الاستثمار فيها وتوظيف الخبرات والطاقات لدعمها.
اليوم، تقف الدراما أمام مسؤولية كبرى: إعادة تشكيل ذاتها لتكون صوتاً للأفواه التي أُخرست. ولا بد لها من الغوص في الذاكرة، وإعادة قراءتها بعمق وإنصاف، وتقديمها في قوالب درامية تُعالج الجراح وتُخاطب القلب والوجدان.
تحتاج الثورة السورية إلى أن تُقدَّم بأسلوب بصري درامي يليق بتضحيات من صمدوا، وبأرواح من استشهدوا. وإذا ما قارنّا ذلك بالتجارب الغربية، لاسيما الأوروبية، نجد أن أعمالاً كثيرة ما زالت حتى اليوم تسلط الضوء على الحربين العالميتين، وتتناول بطولات الجيوش، وتضحيات العائلات، وآلام الضحايا والمفقودين. تلك الأعمال تحولت إلى وثائق فنية عظيمة، فكيف لا تكون الثورة السورية، بكل ما حملته من بطولات ومآس، جديرة بالمعالجة الدرامية على نحو أعمق وأبهى؟.
الدراما المقبلة مطالبة بتقديم قصص إنسانية لا تُقيدها الحسابات السياسية أو الأيديولوجية، بل تروي ذاكرة السوريين بصدق وإنصاف. وهذا يستدعي شجاعة كبيرة، خصوصاً أن الدراما السورية عانت لعقود طويلة من هيمنة الرقابة والتدخل السلطوي، حيث كانت النصوص تُخضع للمراجعة الدقيقة قبل أن يُسمح لها بالظهور، ليغدو الفن أداة في خدمة النظام، لا في خدمة الناس.
لكن الفن الحقيقي ليس ترفيهاً محضاً، بل وسيلة للتفكير والتغيير. ومن هنا، تقع على عاتق صنّاع الدراما مسؤولية جسيمة: أن ينطقوا بلسان الشعب، ويُجسّدوا معاناة الضحايا، ويُداووا الجراح. فقد اكتفت الشاشة من دراما الإغراء والخيانة والسيارات الفارهة والقصور الباذخة، وحان الوقت للعودة إلى الدراما التي تلامس حياة المواطن وتبث همومه وآلامه.
كذلك، تبرز الحاجة إلى توثيق الفساد الذي استشرى في مؤسسات الدولة أيام حكم النظام البائد، من رشاوى ومحسوبيات وتسلط، وإلى استلهام آلاف القصص التي أفرزتها عقود طويلة من حكم الاستبداد. فالمجتمع السوري زاخر بالحكايات التي تنتظر أن تُروى.
في المحصلة، لا بد من إيلاء الدراما اهتماماً أكبر، رسمياً ومجتمعياً، مع توفير التمويل والدعم اللازمين. فبينما يبحث رأس المال التجاري عن الربح السريع، تبقى مهمة الفن الحقيقية أسمى: توثيق الانتهاكات، مواساة أهالي المفقودين والمغيبين، وتضميد جراح الوطن. والكتّاب الذين طالما كتبوا من خارج الواقع، مطالبون اليوم بأن يقتربوا من جمهورهم، يغوصوا في قضاياه، وينسجوا حكايات تعكس وجعه وحلمه معاً.
مصعب أيوب