مقالات وآراء

لقاء الأسد والخامنئي

كانت الساعة الثامنة والنصف من صباح يوم الأحد 24 شباط الماضي بتوقيت طهران، حين وصل الرئيس بشار الأسد إلى مقر القائد الأعلى للثورة الإسلامية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله العظمى السيد علي الخامنئي، فتبادلا عناقاً مؤثراً تجاوز جميع أعراف المصافحة وبروتوكولات اللقاء بين مسؤولَين أو قائدَين في دولتين صديقتين أو حتى حليفتين.
الحديث هنا عن شكل اللقاء الذي له علاقة عميقة بجوهره، فالمرشد والرئيس لم تسمح لهما ظروف الحرب العدوانية الإقليمية والدولية التي شُنت على سورية باللقاء المباشر منذ سنوات طويلة، واقتصر تواصلهما على الرسائل غير المباشرة التي حملها مسؤولو البلدين على المستويات القيادية كافة، لكنهما كانا يعيشان هذا التواصل بأبعاده الإنسانية والأخلاقية باعتبار الثقة المطلقة والوفاء المتبادل هما كلمة سر الصمود والنصر، فهما ومعهما معاوناهما يديران غرفة عمليات واحدة من مواقع جغرافية بعيدة وربما متعددة.
قد لا يكفي توصيف هذه الزيارة بـ«لقاء النصر» للدلالة على معناها أو أهميتها، فالنصر انعقد لمحور المقاومة في أكثر من جبهة على مدى العشرين عاماً الماضية، ولكنه بالتأكيد لقاء المنتصرَين اللذين استطاعا إدارة مواجهة سياسية إعلامية عسكرية مالية قد تكون الأصعب والأشرس منذ الحرب العالمية الثانية.
بالنسبة للسيد الخامنئي ووفق ما خاطبه به، فإن الرئيس الأسد لم يعد رئيساً للجمهورية العربية السورية فحسب، بل صار بطلها الذي يُعتد به حين يتم ذكر الأبطال الذين يحفظون أوطانهم وشعوبهم.
كذلك بالنسبة للسيد فإن صمود الرئيس الأسد وثباته على خياراته ألهما شعبه الصمود والثبات، وهما القيمتان الأساسيتان اللتان بُني عليهما دعم الحليف الإيراني وقوى المقاومة الأخرى وفي مقدمها حزب الله، وهما أيضاً القيمتان اللتان جذبتا الصديق الروسي ليكمل صيغة المعادلة السياسية العسكرية التي أسقطت مشروع الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها وأتباعها العدواني على أرض سورية.
إذاً هو تحالف بين إيران وسورية بلا شروط وليس مبنياً على مصالح بل على مبادلة الوفاء بالوفاء، والعرفان بالجميل لمواقف وخيارات الرئيس الراحل حافظ الأسد قبل انتصار الثورة الإسلامية في إيران وبعده، وخصوصاً في مرحلة العدوان «الصدامي» الذي كان مدعوماً خليجياً وغربياً وشرقياً آنذاك ضد إيران الثورة.
وهو مسار لن يتوقف حتى يتحقق تجذير العلاقة بين شعبي البلدين وليس الحكومتين فقط، فالأميركي وحلفاؤه وأتباعه لن يرضوا بالهزيمة ببساطة، ولن يستسيغوا القبول بخريطة سياسية ترسمها قوى إقليمية ودولية حليفة مضادة ومختلفة عن تلك الموجودة على لوحات مراكز القرار العسكري والاستخباراتي في واشنطن وفي كيان العدو الإسرائيلي.
ولذلك تعاود واشنطن اليوم إحياء فكرة «المنطقة الآمنة» من البوابة التركية، انطلاقاً من سعيها إلى إطالة أمد الأزمة في سورية ومصلحتها في ضمان أمن من ستبقيهم من قواتها المحتلة في منطقة شرق الفرات وفي قاعدة «التنف».
من الطبيعي أن تجد هذه الفكرة قبولاً وحماساً لدى رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان وهو المندفع بتهور لتشريع احتلاله للأراضي السورية، وهو الباحث أيضاً عن مخرج يعيد وصل علاقة غير مباشرة مع الدولة السورية لإحياء بروتوكول «أضنة» أو تكريس واقع ميداني جديد يوصل إلى تفاهم سياسي ولو مؤقتاً بين البلدين، لكن من المؤكد أن الفكرة المذكورة والمحاولات الأخرى قوبلت برفض مطلق من الحليفين السوري والإيراني اللذين التقيا في طهران.
إذ إن الوقت لم يعد متوافراً للموافقة على خطوات يبتدعها النظام التركي للهروب من تنفيذ التزاماته التي قطعها أمام شريكيه الروسي والإيراني في «سوتشي» لإنهاء وجود المسلحين الإرهابيين في مدينة إدلب ومحيطها، وإنما الأولوية صارت لاستعادة زمام المبادرة العسكرية التي تنهي هذا الوجود وتمنع الأميركي من الاستثمار فيما تبقى من مساحة جغرافية سياسية محدودة خارج سلطة الدولة السورية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock