مؤتمر “قسد”.. منصة لإعادة تدوير مشروع سياسي متآكل

يأتي انعقاد ما يسمى بـ”مؤتمر المكونات” في ظل مرحلة دقيقة من المسار السوري، حيث تحاول بعض القوى المتضررة من انتصار الشعب السوري على مشاريع التقسيم واستعادة الدولة لعافيتها، إعادة التموضع ضمن تحالفات مؤقتة وهشّة. هذه القوى، التي فقدت أوراقها السياسية والميدانية مع سقوط عهد النظام البائد، تبحث اليوم عن غطاء جديد يتيح لها الاستمرار في المشهد عبر استدعاء الدعم الخارجي.
من حيث المضمون، يحمل المؤتمر رسائل واضحة على صعيد تدويل الشأن السوري، عبر فتح الباب أمام التدخلات الأجنبية، والسعي لإعادة فرض عقوبات دولية، بما ينسجم مع أجندات قوى خارجية لا ترى في سوريا سوى ساحة نفوذ ومصالح، هذا التوجّه يتقاطع مع محاولات تهميش المسارات الوطنية، وفي مقدمتها هيئة العدالة الانتقالية والحوار الوطني، اللذان شرعت الحكومة السورية في تنفيذهما كجزء من عملية إعادة البناء السياسي والمجتمعي.
ورغم الخطاب العلني الذي يروّج لشعارات “التعددية” و”تمثيل المكونات”، إلا أن القراءة المتأنية لمخرجات المؤتمر وتركيبة المشاركين تكشف عن أهداف أعمق وأقل وضوحاً، في مقدمة هذه الأهداف إضفاء شرعية سياسية على قوى أمر واقع فقدت قدرتها على الصمود داخلياً، ومحاولة كسب اعتراف دولي يمكن أن يترجم إلى دعم مالي وعسكري، كما يسعى المؤتمر إلى فرض أمر واقع جغرافي وإداري يمهّد لسيناريوهات انفصال أو حكم ذاتي موسّع، تحت غطاء حقوق الأقليات، وهو ما يشكّل في جوهره تفتيتاً للبنية الوطنية السورية. إضافة إلى ذلك، يمكن قراءة التحركات الأخيرة كجزء من استراتيجية أوسع لخلق “أوراق تفاوضية” تستخدمها بعض الأطراف لابتزاز الحكومة السورية في أي محادثات مستقبلية، مع إبقاء الباب مفتوحاً أمام القوى الغربية لتوجيه المسار وفق مصالحها.
يتزامن المؤتمر مع جهود تفاوضية جارية، ما يجعله ضربة استباقية لهذه الجهود، وإشارة إلى أن بعض الأطراف ما زالت تراهن على إعادة إنتاج الماضي تحت مسميات جديدة، هذه المعطيات تفسّر الموقف الحازم برفض المشاركة في أي اجتماعات لاحقة، ومنها لقاءات باريس، أو الجلوس على طاولة التفاوض مع أطراف تعمل على إحياء النظام البائد، سواء عبر خطاب سياسي مباشر أو من خلال شعارات مموّهة.
في المحصلة، يمكن القول إن مؤتمر “قسد” الأخير لم يكن ساحة للحوار بين المكونات بقدر ما كان منصة لإعادة تدوير مشروع سياسي متآكل، ومحاولة لإعادة فتح الملفات الدولية على حساب المسار الوطني الذي يحتاجه السوريون اليوم أكثر من أي وقت مضى.
الوطن