ماذا يعني أن تشيد الأمم المتحدة بجهود سوريا في مكافحة المخدرات؟

السؤال لا يحمل بعداً بروتوكولياً فحسب، بل يفتح الباب أمام قراءة أعمق لتحول استراتيجي تشهده سوريا في مرحلة ما بعد إسقاط نظام الأسد، حين انتقلت البلاد من كونها بؤرة عالمية لإنتاج وتصدير الكبتاغون إلى ساحة مواجهة مفتوحة مع واحدة من أخطر الآفات التي أنهكت المجتمع والدولة معاً، فماذا في قراءة هذا المشهد.
إشادة مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة بالجهود التي تبذلها السلطات السورية الجديدة تمثل اعترافاً دولياً واضحاً بحجم التحول الجاري، فالتقرير الأممي الذي أكد تفكيك “الإنتاج الضخم” للكبتاغون، وإغلاق عشرات المختبرات والمنشآت المرتبطة به، لا يمكن فصله عن إرادة سياسية جديدة تمكنت من المضي قدما رغم إرث ثقيل خلّفه النظام السابق، الذي حوّل المخدرات إلى مورد اقتصادي غير مشروع، ومارس عبرها سياسة إغراق ممنهجة لدول الجوار.
اللافت في المقاربة السورية الجديدة، كما أفادت مصادر متابعة ل “الوطن”، أنها لم تكتفِ بالإجراءات الأمنية التقليدية، بل اتجهت إلى تفكيك البنية الكاملة لاقتصاد المخدرات، من معامل الإنتاج، إلى شبكات التخزين والتهريب، وصولًا إلى الرؤوس المدبرة العابرة للحدود، وهذا ما يفسر التراجع الكبير في الإنتاج والاتجار، الذي قدّرت تقارير دولية نسبته بما يصل إلى 80 بالمئة خلال فترة زمنية قصيرة نسبياً، في ملف ظل سنوات عصياً على المعالجة نتيجة استغلاله من النظام السابق شرياناً للحياة.
ولا بد أن التعاون الإقليمي شكّل ركيزة أساسية في هذا النجاح، فالتنسيق المباشر مع العراق أسفر عن عمليات نوعية وضبط شحنات ضخمة كانت في طريقها إلى الأسواق الإقليمية، بينما أدى التعاون مع تركيا إلى إلقاء القبض على شخصيات مصنّفة ضمن أخطر مهربي المخدرات، كما انعكس التنسيق مع السعودية والأردن ولبنان في انخفاض ملحوظ لمحاولات التهريب عبر الحدود، وهو ما أقرّ به مسؤولون رسميون في تلك الدول.
واعتبرت المصادر المتابعة أن إشادة الأمم المتحدة لا تنبع فقط من حجم الضبطيات أو عدد المختبرات المغلقة، بل من نموذج العمل المشترك الذي يتشكل في المنطقة، فكما أشار مسؤولو المكتب الأممي، فإن سوق المخدرات الذي كان عامل انقسام، بات اليوم محفزاً لتوحيد الجهود وتبادل المعلومات الاستخبارية وتنفيذ عمليات مشتركة غير مسبوقة.
ووفق المصادر ، فالمعالجة، داخلياً، تسير على أكثر من جبهة، فإلى جانب الضربات الأمنية، تعمل السلطات على تطوير إدارة مكافحة المخدرات، وافتتاح مراكز لعلاج الإدمان، وإطلاق حملات توعية تستهدف فئة الشباب، في محاولة لمعالجة آثار سنوات طويلة من التفكك الاجتماعي الذي غذّته تجارة المخدرات.
في المحصلة، لا تعني إشادة الأمم المتحدة مجرد تقييم تقني لسياسات مكافحة المخدرات، بل تعكس تحولاً أعمق في موقع سوريا الإقليمي والدولي، فمحاربة الكبتاغون اليوم أصبحت، ربما، اختباراً لجدية الدولة الجديدة في استعادة سيادتها، وبناء شراكات قائمة على الأمن المشترك، وإعادة تعريف سوريا من مصدر للتهديد إلى شريك في الاستقرار.
الوطن