اقتصادالعناوين الرئيسية

محاولات المركزي لضبط سعر الدولار من خلال حبس السيولة لم تنجح

يشهد الاقتصاد السوري مرحلة دقيقة تتسم بتقلبات في سعر الصرف، إذ لا تزال الليرة السورية تسجل انخفاضاً متتالياً أمام العملات الأجنبية، ليتجاوز سعر 12000 ليرة مقابل الدولار الأمريكي الواحد.

ويرى الدكتور عبد الرحمن محمد، أستاذ التمويل والمصارف في كلية الاقتصاد بجامعة حماة، أن هذا الانخفاض يعكس أزمة اقتصادية عميقة تعانيها البلاد نتيجة عوامل متعددة، منها العقوبات الاقتصادية، وتراجع الإنتاج المحلي، والسياسات النقدية والمالية غيرالفعالة.

وأوضح محمد أن هذه التطورات تثير تساؤلات جوهرية حول مدى ارتباط سعر الصرف الحالي بالعرض والطلب الحقيقي، والعوامل التي تقف وراء استمرار تراجع العملة، وتأثير ذلك على الاقتصاد المحلي ومستوى معيشة المواطنين.

السعر الحالي لا يعكس توازناً حقيقياً

وأشار محمد إلى أن المستويات الحالية لسعر الصرف لا تعكس توازناً حقيقياً بين العرض والطلب في السوق، مبيناً أن محاولات البنك المركزي السوري لتقييد السيولة النقدية عبر رفع أسعار الفائدة أو ضبط الحوالات لم تنجح في تحقيق استقرار فعلي.

وقال إن الأسباب الرئيسية لذلك تتمثل في غياب الثقة بالعملة المحلية نتيجة سنوات من التدهور الاقتصادي، وازدياد الطلب على الدولار لتمويل الواردات الأساسية، إلى جانب نشاط المضاربات في السوق الموازية وضعف أدوات البنك المركزي للتدخل الفعال.

وأكد أن الارتفاع الأخير في سعر الصرف “مبالغ فيه إلى حد كبير”، ولا يستند إلى عوامل اقتصادية منطقية بقدر ما يعكس حالة من الذعر الاقتصادي وفقدان الثقة.

العوامل الجوهرية وراء استمرار التراجع

وبيّن محمد أن استمرار تراجع الليرة يعود إلى عدة أسباب هيكلية، في مقدمها العقوبات الاقتصادية التي تعيق تدفق العملات الأجنبية، وضعف الإنتاج المحلي الذي زاد الاعتماد على الاستيراد، فضلاً عن زيادة المعروض النقدي نتيجة الطباعة غير المنضبطة، والأزمة اللبنانية التي أثرت سلباً على تدفق الأموال إلى سوريا.

وأضاف: إن غياب الإصلاحات الاقتصادية الحقيقية فاقم من عمق الأزمة، مشيراً إلى أن تصريحات الحاكم حول “استبدال العملة” قد تكون محاولة لتهدئة السوق لكنها لا تعالج الأسباب الجذرية، بل ربما تزيد من الاضطراب إذا لم تُنفذ ضمن خطة مدروسة وواضحة.

تأثيرات مباشرة على الأسعار والمعيشة

وأوضح محمد أن التقلبات في سعر الصرف تنعكس مباشرة على الأسعار ومستوى المعيشة، إذ يؤدي انخفاض قيمة الليرة إلى ارتفاع تكاليف الاستيراد، ما يرفع أسعار السلع الأساسية مثل الغذاء والمحروقات، ويضعف القدرة الشرائية للأجور والمدخرات بالليرة السورية.

وأشار إلى أن هذا الواقع يؤدي بدوره إلى ارتفاع معدلات الفقر وتآكل الطبقة الوسطى، مؤكداً أن كل تغير في سعر الصرف ينعكس فوراً على الأسواق المحلية.

أدوات المركزي… والفاعلية المشروطة

وقال محمد إن أدوات المصرف المركزي لضبط التضخم متعددة، منها رفع أسعار الفائدة لجذب الادخار بالليرة السورية، وضبط السيولة عبر ترشيد الطباعة والإنفاق، وتعزيز الاحتياطيات الأجنبية عبر دعم الصادرات، إلى جانب إصلاحات اقتصادية شاملة لتحسين بيئة الاستثمار وتقوية القطاعات الإنتاجية.

لكنه شدد على أن فعالية هذه الأدوات “تبقى مشروطة بوجود استقرار سياسي واقتصادي”، وهو ما تفتقر إليه سوريا في الوقت الراهن.

خلاصة الرأي الأكاديمي

ويرى محمد أن استمرار تدهور الليرة السورية يعكس أزمة اقتصادية هيكلية لا يمكن معالجتها بإجراءات مؤقتة أو جزئية، بل تحتاج إلى إصلاحات جذرية وشاملة تعيد بناء الثقة بالاقتصاد السوري وتؤسس لسياسات نقدية فعالة.

وأكد أن تحسين سعر الصرف واستقرار العملة يتطلبان بيئة سياسية مستقرة، ورفع العقوبات الاقتصادية، وتعزيز الإنتاج المحلي.

وختم بالقول إن “الليرة السورية ستظل عرضة للتقلبات ما لم يتم إعادة الاعتبار لدور الإنتاج والإصلاح المؤسسي، فبدون ذلك سيبقى المواطن هو المتضرر الأول من هذه الدوامة الاقتصادية”.

محمد راكان مصطفى

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock