مدونة الداخلية: إعلان رسمي عن دور الدولة في حفظ كرامة المواطن..رجل الأمن شريك للمجتمع

في إطار سعيها لتعزيز الانضباط المهني ورفع مستوى الثقة المتبادلة بينها وبين المواطنين، أصدرت وزارة الداخلية مدوّنة سلوك جديدة للعاملين في المؤسسات الأمنية.
الخطوة، التي تأتي ضمن جهود الإصلاح الإداري وتطوير العمل المؤسسي، تحمل أبعاداً تتجاوز الجانب التنظيمي المباشر، لتلامس البنية الاجتماعية التي تأثرت طوال سنوات من التوتر وسوء التواصل بين المجتمع والجهاز الأمني.
وتُقدم المدونة، رسمياً، كوثيقة لضبط الأداء المهني، إلا أنّ مضامينها تحمل رسالة اجتماعية واضحة مفادها أن الأمن هو خدمة عامة، وأن كرامة المواطن وحقوقه في صلب مهام رجل الأمن.
المواطَنَة بقلب العمل الأمني
أحد أبرز التحولات التي تعكسها المدوّنة هو إعادة تعريف دور رجل الأمن بوصفه شريكاً للمجتمع، لا مجرد منفّذ للأوامر. فالنصوص التي تشدد على المساواة في التعامل، ونبذ أي شكل من أشكال التمييز، تُعيد الاعتبار لمفهوم المواطنة المتساوية، وتؤسس لعلاقة تقوم على الاحترام المتبادل.
وتؤكد المدوّنة ضرورة حماية الحقوق الأساسية، مثل عدم التعرض للتعذيب أو للإساءة الجسدية واللفظية.
هذه الإشارات ليست تقنية أو إجرائية فقط؛ بل تمثل تحولاً ثقافياً يهدف إلى تغيير الصورة “النمطية” عن المؤسسة الأمنية، وتحويلها إلى جهاز ذي دور اجتماعي يحافظ على كرامة الإنسان قبل أي شيء.
استعادة الثقة المفقودة
على مدار سنوات، شكّلت الفجوة بين المواطن والأجهزة الأمنية أحد التحديات الأكثر تأثيراً على الاستقرار الاجتماعي، ومن هنا، تبدو هذه المدونة محاولة لإعادة رسم جسور الثقة، عبر تأكيد التزام الوزارة بالشفافية واحترام القانون، وتحديد قواعد واضحة للمحاسبة والانضباط.
إلزام عناصر الأمن بالإبلاغ عن أي تجاوزات أو انتهاكات يمثّل خطوة جديدة باتجاه المسؤولية الجماعية داخل المؤسسة، ويعطي المجتمع مؤشراً على توجه فعلي لمحاربة الفساد وتعزيز الرقابة الداخلية.
الأمن جزء من النسيج الاجتماعي
البعد الاجتماعي في المدونة يظهر أيضاً في تشديدها على حماية الممتلكات الخاصة والعامة، والتعامل المهني مع الشكاوى، والحرص على عدم إساءة استخدام السلطة.
كل ذلك يعكس فهماً أعمق بأن الأمن ليس إجراءات عقابية أو ضبطية فقط، بل هو عنصر من عناصر الاستقرار الاجتماعي، يتطلب تفاعلاً إيجابياً بين رجل الأمن والمواطن.
وتشير بنود عدة إلى أن الأمن الحقيقي لا يتحقق بالقوة فقط، بل عبر شراكة مجتمعية قائمة على الثقة والتعاون والشعور بالأمان المتبادل، وهو ما يضع المواطن في موقع الفاعل، لا المتلقي السلبي.
وهنا لا بد من الحديث عن تحدي التطبيق، إن صح التعبير، فرغم أهمية المحتوى، يبقى التطبيق العملي هو المعيار الحقيقي لنجاح المدوّنة.
فالتحول الاجتماعي المطلوب لا يمكن أن يتحقق بالنصوص وحدها، بل يتطلب تدريباً متواصلاً، وإرادة مؤسسية واضحة، وآليات محاسبة شفافة.
وفي حال النجاح بتنفيذ هذه المبادئ على أرض الواقع، فقد تشكل المدوّنة بداية مرحلة جديدة من العلاقة بين المؤسسة الأمنية والمجتمع.
في المحصلة فإن إصدار مدونة السلوك هو أكثر من مجرد تحديث إداري؛ ويتعدى ذلك إلى إعلان نيات لإعادة صياغة العلاقة بين الدولة والمجتمع على أسس من الاحترام، والعدالة، وسيادة القانون.
وإذا ما وصلت هذه المدونة من مرحلة الورق إلى مرحلة الممارسة، فإن أثرها الاجتماعي سيكون عميقاً، يمهّد لبيئة أكثر أماناً، ويعزز ثقة المواطن في مؤسسة الأمن بوصفها مؤسسة لحماية المجتمع، لا الهيمنة عليه.
الوطن