العناوين الرئيسيةسياسة

مدونة سلوك رجال الداخلية رسالة سياسية وسلوك دولة تبني أخلاقيات عمل جديدة

انطلاقاً من التزام وزارة الداخلية برفع مستوى الأداء المهني وترسيخ الثقة المتبادلة مع المواطنين، تأتي “مدوّنة سلوك العاملين” كإطار مرجعي شامل يحدد القيم والمعايير الأخلاقية والمهنية التي يجب على منتسبي المؤسسة الأمنية الالتزام بها.

وعلى الرغم من أنّ المدونة تبدو في ظاهرها وثيقة تنظيمية داخلية، إلا أن بعدها السياسي يبدو حاضراً بشكل قوي، إذ تؤدي المدونة دوراً يتجاوز التأطير المهني لتصبح أداة لإعادة بناء الشرعية وضبط القوة الأمنية ومحاصرة الفساد.

 

إعادة الشرعية

 

تأتي المدوّنة في سياق سياسي يطمح إلى إعادة تأكيد التزام الدولة بمبادئ القانون واحترام حقوق الإنسان وفق التشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية.

فإصدار مثل هذه الوثيقة يقدم رسالة موجهة للداخل والخارج بأن المؤسسة الأمنية تتحرك ضمن أطر قانونية معترف بها، وأن الدولة حريصة على تأكيد التزامها بالإصلاح المؤسسي.

هذا البعد السياسي يعيد إنتاج صورة المؤسسة الأمنية كجهاز وطني يعمل لمصلحة المجتمع، وليس كقوة منفصلة عنه، ما يسهم في ترميم الثقة لدى الرأي العام وتعزيز شرعية الدولة في محيط دولي يراقب ملفات الحريات بدقة.

 

ضبط القوة الأمنية في إطار القانون

 

تشير البنود المتعلقة بضوابط استخدام القوة، ومنع التعذيب، وتجريم أي إساءة معاملة إلى توجه واضح نحو ضبط أداء القوة الأمنية ضمن الحدود القانونية، فالتركيز على هذه المبادئ يعكس إرادة سياسية لتأكيد أن الأمن ليس سلطة مطلقة، بل وظيفة مقيدة بالقانون وموجهة لحماية المواطن لا تهديده، ومن المؤكد أن مثل هذه المبادئ تحمل دلالة سياسية بقدر ما تحمل دلالة مهنية، إذ تعيد تأكيد أن الدولة لا تتسامح مع الانتهاكات، وأن المؤسسة الأمنية تخضع للمساءلة والمحاسبة، وبالتالي، تصبح المدونة جزءاً من الخطاب الرسمي الذي يسعى إلى إعادة صياغة العلاقة بين الأمن والمجتمع على أساس احترام الحقوق.

 

مكافحة الفساد وتعزيز النزاهة

 

تولي المدونة اهتماماً خاصاً بإجراءات مكافحة الفساد، سواء عبر النص على واجب الإبلاغ عن التجاوزات أم عبر التأكيد على قيم النزاهة والشفافية، وهذا الجانب لا يقتصر على كونه توجيهاً أخلاقياً بل يتقاطع مع البعد السياسي، إذ يعكس توجهاً رسمياً لمحاصرة الفساد داخل الجهاز الأمني، وهو ملف حساس في الخطاب العام.

وفي هذا السياق، يصبح الالتزام بالمدوّنة أداة لتعزيز ثقة المواطنين في المؤسسات، وإعادة إنتاج صورة جهاز أمني مهني يعمل بروح الخدمة العامة لا المصالح الخاصة.

 

خطوة اصلاحية

 

إن “مدونة سلوك العاملين” ليست مجرد وثيقة إدارية، بل هي خطوة إصلاحية ذات أبعاد سياسية واجتماعية عميقة،فهي تجمع بين تعزيز الأداء المهني وضبط السلوكيات الأمنية وإعادة إنتاج الشرعية السياسية عبر التأكيد على احترام القانون ومحاربة الفساد،ومن ثم فإن نجاحها لا يتوقف على صياغتها فحسب، بل على تفعيلها الفعلي في الميدان، بحيث تترجم مبادئها إلى ممارسات يومية تعيد للمواطن ثقته في المؤسسة الأمنية وتُعزز  القانون.

الوطن

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock