اقتصادالعناوين الرئيسية

معرض دمشق الدولي.. الاستثمار والدبلوماسية يلتقيان

مع انطلاق الدورة الثانية والستين من معرض دمشق الدولي، تعود العاصمة دمشق إلى صدارة المشهد الإقليمي والدولي كحاضنة لإحدى أقدم وأهم الفعاليات الاقتصادية في الشرق الأوسط. إلا أن هذه الدورة لا تحمل فقط الطابع الاقتصادي والتجاري، بل تتجاوز ذلك لتغدو حدثًا سياسيًا بامتياز، يعكس التحولات العميقة التي تمر بها البلاد في ظل الإدارة الجديدة، بعد سقوط النظام السابق، وما يرافق ذلك من إعادة رسم للمشهد الداخلي والخارجي على حد سواء.

تعكس أرقام الشركات والدول المشاركة في المعرض بوضوح حجم الاهتمام بالعودة إلى السوق السورية، وتؤكد أن دمشق بدأت بالفعل مرحلة كسر العزلة السياسية والاقتصادية التي عانت منها لسنوات طويلة، ليبعث حضور تلك الشركات، خاصة من دول عربية مثل السعودية والأردن ومصر وقطر، ودول إقليمية وأوروبية، برسالة أن سوريا باتت بيئة جاذبة للاستثمار، وأن المجتمع الدولي يتعامل مع المعرض كمنصة عملية للتعاون والانفتاح.

تكتسب الدورة الحالية طابعًا استثنائيًا لكونها الأولى بعد التغيير السياسي الكبير في سوريا، فالمعرض لم يعد مجرد حدث اقتصادي أو ثقافي، بل تحوّل إلى منبر لإعلان مرحلة جديدة في التاريخ السوري، تُعرّف نفسها للعالم تحت شعار مختلف ومضمون جديد، يتم من خلاله إعادة تأكيد مكانة المعرض كأحد أبرز الفعاليات الاقتصادية والثقافية في المنطقة، مع إبراز قدرة سوريا على استعادة دورها الطبيعي كجسر للتلاقي بين الشرق والغرب، وبين الشمال والجنوب.

لم يكن اختيار شعار الدورة “التحرر والانفتاح” محض مصادفة، بل يعكس بوضوح توجهات الإدارة السورية الجديدة. فهو شعار يحمل في طياته رسائل متعددة، لجهة التحرر من الماضي، بما فيه من إرث سياسي واقتصادي أثقل البلاد، ولجهة الانفتاح على المحيط العربي والإقليمي والدولي بروح جديدة، وتقديم رؤية بديلة لسوريا، قائمة على الشفافية والتجديد والانفتاح الاقتصادي والثقافي، ليكون المعرض بمنزلة إعلان سياسي صريح بأن سوريا تدخل عهدًا جديدًا يتجاوز النظام البائد، ويستند إلى مقومات قوة داخلية وانفتاح خارجي متوازن.

وفي السياق ذاته لن يكون المعرض مجرد تجمع تجاري، بل حامل رسائل سياسية يمكن تلخيصها في إعادة تأهيل الصورة السورية دولياً، من خلال عرض بيئة اقتصادية نشطة، تسعى لإقناع المستثمرين بأن سوريا عادت لتكون وجهة آمنة ومربحة، وفي كسر الحصار السياسي والاقتصادي، عبر مشاركة عربية ودولية واسعة، تُظهر أن المقاطعة التي فُرضت على دمشق لم تعد قائمة، إضافة الى إقامة تحالفات اقتصادية جديدة، خصوصًا مع السعودية كضيف شرف، وهو ما يعكس مستوًى متقدمًا من التقارب العربي – السوري في المرحلة الراهنة، كذلك ترسيخ هوية “سوريا الجديدة”.

يمكن القول إن الدورة 62 من معرض دمشق الدولي تجاوزت كونها حدثًا اقتصاديًا، لتتحول إلى رسالة سياسية كبرى موجّهة للعالم، مفادها أن سوريا تدخل مرحلة جديدة من تاريخها، عنوانها “التحرر والانفتاح”.

إنها رسالة تطمئن الداخل، وتخاطب الخارج، وتؤسس لرؤية استراتيجية تجعل من الاقتصاد والثقافة والسياسة أدوات متكاملة لإعادة تموضع سوريا على الخريطة الإقليمية والدولية.

الوطن

زر الذهاب إلى الأعلى
الوطن أون لاين
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock